السؤال
أخي الكريم: أنا من لبنان ومقيم في السعودية، قابلت أخا هنديا يعمل حارسا لعمارة وتفاجأت عندما أخبرني أن معاشه 600 ريال شهريا، فأشفقت عليه وتصدقت عليه كحال أغلب المسلمين مع هؤلاء المساكين من هذه الجنسيات، ولكن تفاجأت أيضا عندما أخبرني أنه سيرجع إلى بلاده بعد سنتين لأنه ولله الحمد خلال أربع أو خمس سنوات استطاع توفير مبلغ لشراء منزل. طيب يا شيخ أنا معاشي 6000 ريال وهلا صار 8000 ومع ذلك لو أبقى في الغربة 10 سنوات ربما لا أستطيع توفير مبلغ لشراء بيت في لبنان؟ أنا قضيت الى الآن خمس سنوات وما فعلته هو أني تزوجت واشتريت سيارة والحمد لله، فمن الفقير أو المسكين أنا أم هذا الهندي؟ يا شيخ في حال لا قدر الله تركت وظيفتي في الرياض تحت أي ظرف ورجعت لبنان ليس لدي منزل فسأضطر أن أكون عالة على أهلي أو أهل زوجتي بالسكن معهم، أو أستأجر بيتا ويذهب ربما نصف مدخولي. فهل هذا عذر لي أن آخذ تمويلا من سامبا(تورق منظم) وهو محرم لأدفع دفعة أولى لشقة ثم أكمل سعرها بالتقسيط الشهري من راتبي؟ لا حول ولا قوة الا بالله، وحسبي الله ونعم الوكيل. لو سمحت لا تحيلوني الى فتاوى أخرى تتعلق بالاضطرار الشرعي وغيرها، وشكرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمسألة الغنى والفقر تختلف باختلاف الحالات والحاجات والأشخاص وغير ذلك، فهذا العامل الذي له راتب قليل قد لايحتاج إلى إنفاق ثلثه ويوفر باقيه بينما راتب غيره من الموظفين قد يكون كبيرا ولكن نفقاته أكثر من راتبه فلا يستطيع أن يوفر منه، وربما يكون سبب توفير العامل لثمن المسكن يرجع ذلك إلى اقتصاده في النفقة ورخص المساكن في بلده بينما لا يستطيع كثير من الموظفين من ذوي الرواتب العالية توفير أموال لشراء المساكن بسبب إسرافهم وتبذيرهم في النفقات، وكذلك غلاء المساكن والمعيشة في بلدانهم، وبالتالي فما ذكرته ليس مقياسا للغنى والفقر. ولمزيد من الفائدة حول تعريف الفقهاء للفقير والمسكين انظر الفتوى رقم: 28984، 4938
وأما معاملتك للبنك المذكور في معاملة محرمة عن طريق التورق المنظم الذي نص العلماء على حرمته كما في قرار مجمع الفقه حوله فلا يجوز لك، وما ذكرته ليس عذرا مبيحا للحرام.
وقد جاء في قرارالمجمع في دورته السابعة عشرة المنعقدة بمكة المكرمة، في الفترة من 19-23/10/1424هـ الذي يوافقه 13-17/12/2003م: قد نظر في موضوع التورق كما تجريه بعض المصارف في الوقت الحاضر. وبعد الاستماع إلى الأبحاث المقدمة حول الموضوع، والمناقشات التي دارت حوله، تبين للمجلس أن التورق الذي تجريه بعض المصارف في الوقت الحاضر هو: قيام المصرف بعمل نمطي يتم فيه ترتيب بيع سلعة (ليست من الذهب أو الفضة) من أسواق السلع العالمية أو غيرها، على المستورق بثمن آجل، على أن يلتزم المصرف -إما بشرط في العقد أو بحكم العرف والعادة- بأن ينوب عنه في بيعها على مشتر آخر بثمن حاضر، وتسليم ثمنها للمستورق، وبعد النظر والدراسة، قرر مجلس المجمع ما يلي:
أولا: عدم جواز التورق الذي سبق توصيفه في التمهيد للأمور الآتية:
1- أن التزام البائع في عقد التورق بالوكالة في بيع السلعة لمشتر آخر أو ترتيب من يشتريها يجعلها شبيهة بالعينة الممنوعة شرعا، سواء أكان الالتزام مشروطا صراحة أم بحكم العرف والعادة المتبعة.
2- أن هذه المعاملة تؤدي في كثير من الحالات إلى الإخلال بشروط القبض الشرعي اللازم لصحة المعاملة.
3- أن واقع هذه المعاملة يقوم على منح تمويل نقدي بزيادة لما سمي بالمستورق فيها من المصرف في معاملات البيع والشراء التي تجري منه والتي هي صورية في معظم أحوالها، هدف البنك من إجرائها أن تعود عليه بزيادة على ما قدم من تمويل.
وهذه المعاملة غير التورق الحقيقي المعروف عند الفقهاء، وقد سبق للمجمع في دورته الخامسة عشرة أن قال بجوازه بمعاملات حقيقية وشروط محددة بينها قراره.... وذلك لما بينهما من فروق عديدة فصلت القول فيها البحوث المقدمة.
فالتورق الحقيقي يقوم على شراء حقيقي لسلعة بثمن آجل تدخل في ملك المشتري ويقبضها قبضا حقيقيا وتقع في ضمانه، ثم يقوم ببيعه هو بثمن حال لحاجته إليه، قد يتمكن من الحصول عليه وقد لا يتمكن، والفرق بين الثمنين الآجل والحال لا يدخل في ملك المصرف الذي طرأ على المعاملة لغرض تبرير الحصول على زيادة لما قدم من تمويل لهذا الشخص بمعاملات صورية في معظم أحوالها، وهذا لا يتوافر في المعاملة المبينة التي تجريها بعض المصارف.
ثانيا: يوصي مجلس المجمع جميع المصارف بتجنب المعاملات المحرمة، امتثالا لأمر الله تعالى، كما أن المجلس إذ يقدر جهود المصارف الإسلامية في إنقاذ الأمة الإسلامية من بلوى الربا، فإنه يوصي بأن تستخدم لذلك المعاملات الحقيقية المشروعة دون اللجوء إلى معاملات صورية تؤول إلى كونها تمويلا محضا بزيادة ترجع إلى الممول.
وسبل الحلال كثيرة وبدائل المعاملات المحرمة متوفرة لدى البنوك والمؤسسات الإسلامية . من تورق غير منظم منضبط بالضوابط الشرعية، والأمر يسير فلم لا تجري مع البنك تورقا عاديا تحقق به غرضك دون الدخول في الحرام . فاتق الله تعالى وابحث عن الحلال فالحرام لابركة فيه مع ما فيه من الإثم .
والله أعلم.