السؤال
ما صحة ما يروى عن الخليفة عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ أنه قال: أيها الناس من رأى منكم في اعوجاجا فليقومه ـ فقام له رجل وقال: والله لو رأينا فيك اعوجاجا لقومناه بسيوفنا، فقال عمر: الحمد لله الذي جعل في هذه الأمة من يقوم اعوجاج عمر بسيفه؟ وما هو سند هذه الرواية؟ فهذه الرواية رأيت الكثير من الكتاب المعاصرين يستشهد بها، لكن لم أجد لها أصلا في كتب السيرة أو الحديث، فهل يمكنكم مساعدتي؟.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلم نجد هذه الرواية في كتاب مسند، وقد عزوها في موسوعة نضرة النعيم لكتاب تاريخ الخلفاء لابن الجوزي، وأقدم ما اطلعنا عليه في هذا المعنى ما أخرجه الإمام ابن المبارك في الزهد فقال: أخبرنا سفيان بن عيينة عن موسى بن أبي عيسى قال: أتى عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ مشربة ابن حارثة فوجد محمد بن مسلمة فقال عمر: كيف تراني يا محمد؟ فقال: أراك والله كما أحب، وكما يحب من يحب لك الخير، أراك قويا على جمع المال، عفيفا عنه، عادلا في قسمه، ولو ملت عدلناك كما يعدل السهم في الثقاف، فقال عمر: هاه، فقال: ولو ملت عدلناك كما يعدل السهم في الثقاف، فقال: الحمد لله الذي جعلني في قوم إذا ملت عدلوني.
وموسى بن أبي عيسى الحناط ثقة لكنه لم يدرك أحدا من الصحابة.
وقال الإمام البخاري في التاريخ الكبير في ترجمة بشير بن سعد الأنصاري والد النعمان: قال لي عبد العزيز بن عبد الله: حدثنا إبراهيم بن سعد، عن صالح بن كيسان، عن ابن شهاب، قال: أخبرني محمد بن النعمان بن بشير، أن أباه أخبره، أن عمر قال يوما في مجلس، وحوله المهاجرون والأنصار: أرأيتم لو ترخصت في بعض الأمر، ما كنتم فاعلين؟ فسكتوا، فعاد مرتين، أو ثلاثا، قال بشير بن سعد: لو فعلت قومناك تقويم القدح، قال عمر: أنتم إذن أنتم.
وهذا أخرجه الحافظ ابن عساكر من طريق البغوي، بهذا الإسناد، في ترجمة بشير بن سعد أيضا.
وأما ذكر السيف فلم نجده في أثر صحيح، إلا في ما رواه أبو يعلى والطبراني عن أبي قبيل قال: خطبنا معاوية في يوم جمعة فقال: إنما المال مالنا والفيء فيئنا، من شئنا أعطينا, ومن شئنا منعنا، فلم يرد عليه أحد، فلما كانت الجمعة الثانية قال مثل مقالته، فلم يرد عليه أحد، فلما كانت الجمعة الثالثة قال مثل مقالته، فقام إليه رجل ممن شهد المسجد فقال: كلا, بل المال مالنا والفيء فيئنا، من حال بيننا وبينه حاكمناه بأسيافنا، فلما صلى أمر بالرجل فأدخل عليه، فأجلسه معه على السرير، ثم أذن للناس فدخلوا عليه، ثم قال: أيها الناس, إني تكلمت في أول جمعة فلم يرد علي أحد، وفي الثانية فلم يرد علي أحد، فلما كانت الثالثة أحياني هذا أحياه الله، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: سيأتي قوم يتكلمون, فلا يرد عليهم، يتقاحمون في النار تقاحم القردة ـ فخشيت أن يجعلني الله منهم، فلما رد هذا علي أحياني, أحياه الله، ورجوت أن لا يجعلني الله منهم.
قال الهيثمي في مجمع الزوائد: رواه الطبراني في الكبير والأوسط وأبو يعلى، ورجاله ثقات. اهـ.
وصححه الشيخ الألباني وحسين أسد محقق مسند أبي يعلى.
والله أعلم.