السؤال
أعرف قول الله تعالى(وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) صدق الله العظيم .. ولكن ما هي حكمة الخلق والعبادة للواحد القهار بمعنى أن الله تعالى سواء عبدناه أم لا لن يزيد هذا من سلطانه وجاهه وعظمته وبناء على ذلك الجنة والنار ( برجاء إذا رأيتم في سؤالي نوعا من الشطط أن تخبروني حتى لا أكون فريسة للشيطان.. ولكم الأجر عند الله).....
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فحكمة خلق الإنسان وغايات حياته وسر وجوده يكمن الظاهر منها لنا في
عبادة الله،قال تعالى:وما خلقت الجن والأنس إلا ليعبدون (الذريات:56].
وشرف الإنسان بأن يوجد كاملا في المعنى الذي أوجد لأجله، ودناءته بفقدان ذلك الفعل منه، فمن لا يصلح لخلافة الله تعالى ولا لعبادته ولا لعمارة أرضه فالبهيمة خير منه، ولذلك قال الله في ذم الذين فقدوا هذه الفضيلة:أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون [الأعراف:179] ا.هـ. من كلام الإمام الراغب الأصفهاني
أما لماذا نعبد الله وهو الغني عنا؟ وما الغاية من تكليفنا بهذه العبادة؟ هل يعود عليه نفع من عبادتنا له أم النفع يعود علينا؟ وما حقيقة هذا النفع إن كان؟ أم الهدف هو مجرد الأمر من الله والطاعة منا؟
والجواب على هذا يتلخص في التالي:
1- العبادة حق لله هذا الخالق العظيم له علينا حق واجب هو عبادته والتسليم له والانقياد لأمره، وهو حق استحقه بمقتضى ربوبيته وألوهيته وكماله، ولو لم تأت الرسل من عنده آمرة بعبادته لاستحق أن يعبد ويعظم لذاته لا لشيء زائد.
هب البعث لم تأتنــا رسله ===== وجاحمة النار لم تضــــرم
أليس من الواجب المستحق ===== ثناء العباد على المنعـــــم
وفي الصحيحين من حديث معاذ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا معاذ أتدري ماحق الله على العباد وما حق العباد على الله؟ قلت الله ورسوله أعلم: قال: حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا.
2- العبادة غاية في نفسها مطلوبة لذاتها، وما يترتب عليها من إصلاح النفس من أهدافها لا أنه غاية لها، ولهذا لو صلى وصام قاصدا صلاح نفسه وتربية ضميره دون الالتفات إلى حق الله عليه لم يبال الله به، ولا تنفعه عبادته تلك عنده:وما لأحد عنده من نعمة تجزى*إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى*ولسوف يرضى [الليل:19-21].
3- العبادة تنبيه دائم للإنسان إلى أنه روح قبل أن يكون مادة، وكما أن للجسد مطالب فكذلك الروح لها مطالب وغذاء، وغذاؤها عبادة خالقها، ولهذا إذا خلا الإنسان من روحه وتحول إلى شخص لا يعرف إلا المادة ولا يعترف إلا بالجسد، فإن هذا الإنسان أضر على الإنسانية من السلاح النووي والجرثومي، ولكان السبع الضاري أرحم وأرق منه، فالسبع يقتل ليأكل، والإنسان الذي لا روح له يقتل للقتل ويتلذذ وهو يعبث بفريسته.
4- العبادة تذكير للإنسان الفاني بالله ربه الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى، ولو خلا الإنسان من العبادة لنسي ربه وخالقه ورازقه، ويظهر هذا المقصد في قول الله تعالى:وأقم الصلاة لذكري [طه:14]، وفي الحديث: إنما فرضت الصلاة لإقامة ذكر الله. رواه أبو داود ، وفي الحج :ولكل أمة جعلنا منسكا ليذكروا اسم الله [الحج:34].
وهكذا فالعبادة فرار إلى الله، وهروب من الأثقال والقيود والأغلال التي تقسي القلب وتكدره، يقول الله فيمن هجر عبادته ورتع في شهواته:ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون [ الحديد:16].
5- العبادة تحرير الإنسان من عبادة غير الله، فإن الله تعالى قضى أن من ترك عبادته عبد غيره، هذا الغير قد يكون حجرا أو قمرا أو هوى أو حزبا أو فكرا أو كاهنا أو شهوة..
6- تحرير للإنسان من الخوف والجبن والبخل والحرص والذل وكل الرذائل :إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر [ العنكبوت :45]،وبالعبادة الشاملة يتحلى المسلم بكل الفضائل:ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا*إنما نطعمكم لوجه الله [ الإنسان:9-10]. وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما [ الفرقان:63].
ولا نستطيع أن نستطرد في ذكر منافع العبادة التي تعود على العبد في دنياه وآخرته، فليس المجال مجال بسط ولكنا أشرنا أشارة بسيطة إلى بعض من تلك المنافع.
والله أعلم.