السؤال
أنا فتاة في 23 من العمر. أعاني من مشكل عويص مع أخواتي، وقد أقفلت علي جميع السبل ولم أجد خلاصا لمحنتي. لقد نصبن لي فخا وأوقعوا بي، و الآن يهددنني بفضحي. قد كنت على علاقة مع شخص ما وقاموا بتسجيل فيديو وأخد صور لنا دون علمي، وأبلغوا والدتي وطلبوا منها أن تحبسني وتمنعني من متابعة دراستي الجامعية وذلك حسدا لي لأنهن لا يدرسن. فامتثلت لأوامرهن، ثم ما لبثن أن أخبرن أبي أنني أقوم بفاحشة وأمي من تساعدني وهي مظلومة لا علم لها بشيء. وكدن أن يرينه الفيديو فيطلق أمي وتخرب العائلة لولا لطف الأقدار ورحمة الله. أصبحت أعيش في خوف دائم لا أعرف طعم الطمأنينة رغم إحساني إليهن، فهن يزدن في إيذائي ويهددني ويحبسنني، وإن تفوهت بكلمة سيفضحنني. لقد خسرت كل شيء دنياي و آخرتي بسبب ذنوبي وفقدت دراستي ومستقبلي، و حتى سمعتي لوثت لأنهن يشهرن بي ويذعن أخباري للجيران لكي لا يتزوج بي أحد، فمن يرضى بالزواج من فاسقة، لقد تبت من ذنوبي وأردت أن أبدأ حياة جديدة لكن هؤلاء الأخوات يكرهنني أشد الكره منذ كنا أطفالا ويردن من أمي أن تخرب بيتها وتشوهني وألا تحدثني .ماذا عساي أن فعل ؟ إنني أموت يوما بعد يوم من الهلع والفراغ القاتل. أفكر أحيانا في الانتحار فأتراجع، ثم أدعو عليهن من جراء إيذائهن لي وجورهن لأنه ليس لي نصير غير الله رغم أنني أخطأت في حق نفسي وعصيت إلهي. وأنا الآن نادمة لكن ما عاد الندم يجدي نفعا من غلبه هواه ووقع في معصية، فإنه مأمور شرعا أن يستتر بستر الله ولا يفضح نفسه، فقد روى مالك في الموطأ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أيها الناس قد آن لكم أن تنتهوا عن حدود الله، من أصاب من هذه القاذورات شيئا فليستتر بستر الله، فإنه من يبدي لنا صفحته نقم عليه كتاب الله. لكن هؤلاء الظالمات يهزأن من إيماني وصلاتي بدعوى أن الله لا ينظر إلى مثلي .لقد أصبحت أصلي خفية لتفادي استهزائهن مني. لم يعد لي حل سوى الدعاء هذا إن استجاب الله لي فإن إيماني ضعيف جدا ووساوس الشيطان تسيطر علي. أرجو من المشرفين على هذا الموقع أن يفتوني و يرشدوني .
جزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كنت قد أسرفت على نفسك وارتكبت من الذنوب ما أوجب لك مثل هذه الفضيحة وتلك الحال المؤلمة فاعلمي -عافاك الله- أن باب التوبة مفتوح لا يغلق في وجه أحد مهما عظم ذنبه وكبر جرمه، فأقبلي على ربك وتوبي إليه واجتهدي في طاعته والتقرب إليه بفعل الفرائض والإكثار من النوافل، واشغلي فراغك بما يعود عليك بالنفع في دنياك وآخرتك من ذكر الله تعالى وتعلم العلم النافع، والاجتهاد في حفظ القرآن ونحو ذلك من صنوف البر، والذي ننصحك به هو أن تجعلي الهموم كلها هما واحدا، فلا تفكري في الناس ولا في رضاهم وسخطهم، وليكن همك الوحيد هو مرضات ربك تعالى، وثقي بأنه تعالى متى اطلع على صدق توبتك وإخلاصك له وجدك في الإقبال عليه يسر أمرك وفرج كربك وأزال عنك الهم وصرف عنك كيد من يريدك بالسوء، فإنه من أرضى الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس. وإن كان إيمانك كما تقولين ضعيفا فاجتهدي في تقويته بالأخذ بأسباب زيادة الإيمان من تعلم العلم النافع وقراءة القرآن بالتدبر، ولزوم الذكر والإكثار من النوافل، وصحبة أهل الخير إن أمكن، وأما من يهزأ بك ويقول إن الله لا ينظر إليك فلا تلتفتي إليه ولا إلى قوله، فإن رحمة الله تعالى وسعت كل شيء وهو تعالى رؤوف رحيم بر لطيف كريم، فأحسني ظنك به فإنه تعالى عند ظن العبد به.
وأما كيد أخواتك لك فذكريهن الله تعالى، وبيني لهن أنك تبت من ذنبك ذاك، وأعلميهن أن الظلم ظلمات يوم القيامة، وأنهن إن لم يتقين الله فهن على خطر عظيم، فإن انتهين وكففن فالحمد لله، وإلا فاستعيني بالله تعالى على تفريج كربك، وثقي أنه تعالى لن يضيعك ولن يخذلك ما دمت مقبلة عليه صادقة في توبتك إليه، قال تعالى: إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون {النحل:128}، وقال تعالى: وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا إن الله بما يعملون محيط {آل عمران:120}. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: احفظ الله يحفظك. فتوكلي على الله واستعيني به وأصلحي ما بينك وبينه عالمة أنه تعالى مالك الملك، وأنه تعالى لا يعجزه شيء فهو سبحانه على كل شيء قدير. وسيسوق بمنه ولطفه وكرمه إليك الرزق الحسن من زوج وغيره فإنه بيده سبحانه ملكوت كل شيء. ولا تحزني ولا تأسي فربما كان هذا البلاء من الله تعالى لتمحيصك وتكفير خطيئتك ورفع درجتك. والله يتولاك برحمته ويكلؤك بحفظه وعنايته.
وأخيرا ننبهك إلى خطأ قول: لولا لطف الأقدار... فإن الأقدار ليس لها لطف، بل اللطف إنما هو لله وحده.
والله أعلم.