السؤال
تم تعييني مؤخرا كأستاذة في إحدى القرى البعيدة عن مقر إقامتي الأصلي، والعمل وظروفه يبدو لي كالبلاء المقيد لحريتي الدينية والملهي لي عما أنا إليه أحوج: مراقبة وإصلاح القلب ومعالجة النفس بالقرآن والسنة والعلم الشرعي، وهو ما يحتاج إلى تفرغ القلب والجوارح من هموم الدنيا وملهياتها والبعد عن الفتن ومثيراتها وأهل الدنيا، السبب الوحيد الذي يجعلني أعمل هو رغبة والدي في ذلك خاصة وأنني رغم أني استشرت من ظننته أهلا للشورى في هذا الأمر ودعاني إلى طاعة والدي، لكن أسفي على الإخلاص وعلى العلم الشرعي، أنا غير مقتنعة بما أنا ماضية فيه، بل إنني أشعر أنني في خطر وأغرق وأنني مقيدة ومحجوبة عن الله، فهل يسلم في عصرنا هذا الإنسان العادي؟ بل لا أراه قد يسلم إلا شيخ متضلع في الدين أفنى عمره في دراسة علم الله، أما العامة فلا أعرف كيف يمكن أن يكونوا من الناجين بلا حصن حصين، ولا أريد أن أكون من العامة، إن نظرتي هذه تتأكد وتستقر في نفسي كلما طالعت كتب السلف ككتب ابن القيم فتزداد ثقتي بأنني يجب أن أتحرر من نفسي وعملي وبيئتي وأسافر إلى بلد أطلب فيه العلم الشرعي عسى أن يقرن الله ذاك السفر بسفري إليه، ومع ذلك فإني حائرة أطلب منكم استشارة في نظرتي هذه، وفيما يتعين علي فعله، أرجو أن لا تبطؤوا علي بالرد وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فعليك ـ أيتها الأخت الكريمة ـ أن تسددي وتقاربي وتفعلي ما تقدرين عليه من طاعة الله والتقرب إليه حسب وسعك وتستفرغي جهدك في حفظ وقتك ورعاية قلبك وتعتني ما أمكنك بتعلم ما يقربك إلى الله عز وجل من علوم الشريعة وليس الاعتزال عن الناس والتفرغ لهذا الشأن مما يتعين طريقا للتقرب إلى الله تعالى، بل عملك كأستاذة توجهين الطلاب وترشدينهم وتؤثرين فيهم هو باب من أبواب الخير يمكنك استثماره في مرضات الله تعالى، ولو أن أهل الخير والصلاح تركوا التدريس وتعليم النشء فسيؤدي ذلك إلى شر عظيم حين يتسلط على تعليمهم أصحاب المناهج الباطلة المنحرفة فننصحك أن تمضي في عملك محتسبة الأجر وأن تكوني قدوة صالحة لمن تعلمينهم وتبيني لهم ما أمكنك بيانه مما هم به جاهلون، وكما أن في هذا برا لوالديك فهو كذلك سد لثغرة لا ينبغي أن يتركها أهل الخير والصلاح، وأما إصلاح القلب وتعلم العلم فإنه يسير على من يسره الله عليه، فاجتهدي في ذلك بحسب استطاعتك والله لا يكلف نفسا إلا وسعها، وقد كثرت طرق العلم ووسائل تحصيله في زماننا والحمد لله بحيث لا يفتقر ذلك إلى سفر، فعليك بالكتب والأشرطة النافعة والمواقع الجيدة التي تعنى بعلوم السنة ونشر مذاهب السلف، وحاسبي نفسك واحمليها على الإخلاص لله تعالى، وجاهديها في الله جل شأنه لترتفع عن حظوظها وتستعيض بمحبة الله تعالى والأنس به والشوق إليه عن جميع شهوات وملاذ الدنيا، فإن العبد متى ما أقبل على الله تعالى وصدق في اللجأ إليه وأدى الفرائض وأكثر من النوافل أقبل الله تعالى عليه حتى يحبه ويكون سبحانه هو سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها، نسأل الله أن يهديك لأرشد أمرك وأن يوفقك لما فيه صلاح دنياك وآخرتك.
والله أعلم.