السؤال
عندي 44 سنة رجل متزوج وأعول أربعة من الأولاد ودائم التفكير فى الموت وخصوصا عند النوم ولكن غالبا ما يضيق الشيطان صدري بخيالات القبر وخروج الروح لدرجة أن أعصابي تعبت ويزداد هذا الشعور بعد علمي بإصابتي بأمراض مزمنة مثلا الهيموفليا ـ سيولة الدم ـ فيرس سي الثلاثيميا بهاق ـ والحمد لله ـ وسؤالي يتعلق بخروج الروح وموت الإنسان كالتالي: دلت النصوص القرآنية دلالة صريحة على أن المؤمن له البشرى في الدنيا وسهولة الموت بلا شك ولا تحتمل أي تأويل إطلاقا وكذا العكس للكافر، كما بينت أحاديث صحاح عن الرسول صلى الله عليه وسلم مثل حديث البراء وغيره وهي أحاديث لا تقبل التأويل نظرا لصراحتها ووضوحها، ولكن
على الرغم أن الأمر غير مادي وملموس ومشاهد للأحياء فإن القرآن والسنة وضحته ولكن توجد تأويلات وتفاسير غريبة تخالف ذلك
مثل أن عمرو بن العاص ـ رضي الله عنه ـ لما نزل به الموت قال له ابنه: يا أبت قد كنت تقول: إني لأعجب من رجل ينزل به الموت ومعه عقله ولسانه كيف لا يصفه؟! فقال: يا بني الموت أعظم من أن يوصف! ولكن سأصف لك منه شيئا، والله لكأن على كتفي جبال رضوى وتهامة، وكأني أتنفس من سم إبرة! ولكأن في جوفي شوكة عوسج، ولكأن السماء أطبقت على الأرض وأنا بينهماـ وقال عمر بن الخطاب لكعب: يا كعب حدثنا عن الموت، قال: إن الموت كشجرة شوك أدخلت في جوف ابن آدم! فأخذت كل شوكة بعرق منه! ثم جذبها رجل شديد القوى فقطع منها ما قطع وأبقى ما أبقى ـ كما أن حديث عائشة: إن للموت سكرات ـ فلا شك إذا كان هناك تعب وغمرات فلا يمكن أن تكون بهذا الوصف وذلك يعارض نصوص القرآن والسنة، فما رأيكم؟.
.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن تذكر الموت أمر مهم جدا، ويدل لذلك ما في الحديث: أكثروا ذكر هاذم اللذات ـ الموت، فإنه لم يذكره أحد في ضيق من العيش إلا وسعه عليه. رواه البيهقي وحسنه الألباني.
وعن ابن عمر أنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم عاشر عشرة، فقام رجل من الأنصار، فقال: يا نبي الله، من أكيس الناس وأحزم الناس؟ فقال: أكثرهم ذكرا للموت، وأشدهم استعدادا للموت قبل نزول الموت، أولئك هم الأكياس ذهبوا بشرف الدنيا وكرامة الآخرة. رواه ابن ماجه، والطبراني في الصغير وحسنه المنذري والهيثمي وقال العراقي: إسناده جيد.
وقال الشاعر:
صاح شمر ولا تزل ذاكر الموت فنسيانه ضلال مبين.
وينبغي أن يصحب مع ذلك الحرص على التهيؤ للموت والاستعداد له بالبدار بالتوبة والاستقامة على الطاعة، فعن البراء بن عازب قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة فجلس على شفير القبر فبكى حتى بل الثرى، ثم قال: يا إخواني لمثل هذا فأعدوا. رواه ابن ماجه، وحسنه الألباني.
وقال السدي في قوله تعالى: الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور {الملك: 2} أي: أكثركم للموت ذكرا، وله أحسن استعدادا، ومنه أشد خوفا وحذرا.
قال الإمام القرطبي في التذكرة: قال الدقاق: من أكثر من ذكر الموت أكرم بثلاثة أشياء: تعجيل التوبة، وقناعة القلب، ونشاط العبادة، ومن نسي الموت عوقب بثلاثة أشياء: تسويف التوبة، وترك الرضى بالكفاف، والتكاسل في العبادة. انتهى.
وأما ما ذكرت من التخفيف على المؤمن عند خروج الروح فإنه لا ينافي أنه قد يشدد عليه عند الاحتضار أو بطريقة الموت نفسها وقد قدمنا القول في ذلك في الفتوى رقم: 71977.
والله أعلم.