السؤال
حكي أن أحمد ناظر الشافعي في تارك الصلاة، فقال له الشافعي: يا أحمد أتقول إنه يكفر؟ قال: نعم، قال الشافعي: إذا كان كافرا فبم يسلم؟
قال أحمد: يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله، قال الشافعي: فالرجل مستديم لهذا القول لم يتركه؟ قال أحمد: يسلم بأن يصلي، قال الشافعي: صلاة الكافر لا تصح، ولا يحكم بالإسلام بها، فانقطع أحمد وسكت ـ حكى هذه المناظرة أبو على الحسن بن عمار من أصحابنا وهو رجل موصلي من تلامذة فخر الإسلام الشاشي، طبقات الشافعية الكبرى لعبد الوهاب السبكي (2/61/ط هجر، فهل تصح هذه الحكاية؟.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه المناظرة لا تصح لا سندا ولا متنا، فأما إسنادها فقال الألباني بعد سياقها: الحكاية لا تثبت وقد أشار إلى ذلك السبكي ـ رحمه الله ـ بتصديره إياها بقول: حكي ـ فهي منقطعة. انتهى.
وأما عدم صحتها متنا فإيضاحه أن الشافعي ـ رحمه الله ـ أعلم من أن يورد هذا الإيراد، وأحمد رحمه الله أعلم من أن يعجز عن جوابه، إذ من المعلوم أن من ارتد بسبب معين كان دخوله في الإسلام بالشهادتين والتوبة مما أوجب ردته، فمن يرى كفر تارك الصلاة يقول إنه لا يصير مسلما إلا بصلاته ونطقه بالشهادتين جميعا، وهذا واضح جدا، ولذا تكلم العلامة ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ على هذه القصة مضعفا لها فقال: ثم إن التعبيرات التي وقعت فيها تعبيرات جافة تعبيرات يبعد جدا أن تصدر من الإمام الشافعي إلى الإمام أحمد مع أنه قد عرف عنه التعظيم الكامل الذي يليق بمقام الإمام أحمد وبمقام الشافعي ـ رحمهم الله جميعا ـ ثم إن هذه المناظرة تخالف المعروف في مذهب الإمام أحمد، فإن المعروف في مذهب الإمام أحمد أن من كفر بترك الصلاة فإنه لا يكون مسلما إلا بفعلها وأنه إذا فعلها وصلى حكم بإسلامه هذا هو المعروف من مذهب الإمام أحمد رحمه الله وهكذا ينبغي أن يعرف أن من كفر بشيء من الأشياء فإنه لا يسلم بمجرد شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله حتى يصحح ما كفر به فمثلا إذا قدر أنه يقول أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وهو ينكر فرضية الزكاة أو الصيام أو الحج فإنه لا يكون مسلما بقوله أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله حتى يقر بفرضية ما أنكر فرضيته من هذه الأصول والمهم أن القاعدة في الكافر المرتد أنه إذا ارتد بشيء معين من الكفر فإنه لا يغنيه أن يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله حتى يصحح ما حكمنا بكفره من أجله وعلى هذا نقول تارك الصلاة كافر ولو شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ولا يكون مسلما إلا إذا صلى، لأننا كفرناه بسبب فلا بد أن يزول هذا السبب الذي من أجله كفرناه فإذا زال السبب الذي من أجله كفرناه حكمنا بأنه مسلم وعلى هذا فيفرق بين الكافر الأصلى الذي يدخل في الإسلام بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وبين المرتد بشيء من أنواع الردة فإنه لا يحكم بإسلامه حتى ينتفي عنه ذلك الشيء الذي كفرناه به هذا هو سر المسألة فالذي نرى في هذه المناظرة، أولا أنه يبعد صحتها بين الإمامين الجليلين بما علم من التعظيم بينهما وهذه العبارات الجافة لا توجه من الإمام الشافعي للإمام أحمد حسب ما نعلمه من تعظيم أحدهما للآخر، ثانيا: أن مجرد وجودها في طبقات الشافعية لا يعني أنها صحيحة، بل كل قول ينسب إلى شخص يجب أن يحقق في سنده الموصل إليه، لأنه قد يكون من الأقوال التي لا إسناد لها وقد يكون إسناد القول ضعيفا لا يعتد به، ثالثا: أن هذه المناظرة تخالف ما هو مشهور من مذهب الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ بأن من كفر بترك الصلاة فإنه لا يسلم إلا بفعلها ولو شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله. انتهى.
والله أعلم.