الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق أن ذكرنا حكم خطورة إرسال النظر في مشاهدة ما حرم الله تعالى في الفتويين رقم: 2036، ورقم: 2586.
ونضيف هنا للسائل أن النفس لا يردعها عن المعاصي والإصرار عليها مثل مراقبة الله تعالى واستشعار أنه يعلم السر وأخفى يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وتذكيرها بالوعيد وتخويفها من عذاب الله تعالى وحملها على توظيف الفراغ في التعلم والدعوة الى الله تعالى، ومن حلف على ترك معصية يجب عليه البعد عن الحنث، لأن ترك المعصية واجب أصلا، ثم إن الحلف بالطلاق بقصد منع النفس من أمر ما لا بقصد الطلاق يقع به الطلاق عند الجمهور إذا وقع المحلوف عليه، وقيل إنما تلزم منه كفارة اليمين فقط، ولو حلف على أشياء متعاطفة بالواو فيحنث بفعل واحد منها وتنحل اليمين، قال في المغني: وإذا حلف يمينا واحدة على أجناس مختلفة فقال والله لا أكلت ولا شربت ولا لبست فحنث في الجميع فكفارة واحدة لا أعلم فيه خلافا، لأن اليمين واحدة والحنث واحد فإنه بفعل واحد من المحلوف عليه يحنث وتنحل اليمين. اهـ.
وقال ابن مفلح في الفروع: ولو حلف يمينا على أجناس مختلفة فكفارة, حنث في الجميع أو واحد وتنحل في البقية. اهـ.
وقال المرداوي في الانصاف: لو حلف يمينا على أجناس مختلفة فعليه كفارة واحدة, حنث في الجميع, أو في واحد وتنحل يمينه في البقية. اهـ.
والحنث برؤية الأفلام الخليعة يستوي فيه نظرها بالنت والتلفاز، إذ لا فرق بينهما، ومن شك هل حلف أم لا لم تطلق زوجته إذا حنث في اليمين المشكوك فيها، لأن النكاح ثابت بيقين فلا يزول بشك، قال ابن قدامة في المغني: من شك في طلاق لم يلزمه حكمه، نص عليه أحمد وهو مذهب الشافعي وأصحاب الرأي، لأن النكاح ثابت بيقين فلا يزول بشك والأصل في هذا حديث عبد الله بن زيد عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه سئل عن الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة فقال: لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا. متفق عليه.
وقال صاحب التاج والإكليل: سمع عيسى في رجل توسوسه نفسه فيقول قد طلقت امرأتي أو يتكلم بالطلاق وهو لا يريده أو يشككه، فقال يضرب عن ذلك ويقول للخبيث ـ يعني الشيطان ـ صدقت ولا شيء عليه. انتهى.
والحلف والطلاق لا يحصل بالنية وحديث النفس، بل لا بد من التلفظ به، لما رواه البخاري في صحيحه عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم.
وقال قتادة: إذا طلق في نفسه فليس بشيء.
وقال ابن حجر: الطلاق لا يقع بالنية دون اللفظ. انتهى.
وقال الصنعاني في سبل السلام: والحديث دليل على أنه لا يقع الطلاق بحديث النفس وهو قول الجمهور. انتهى.
وقال في كشف القناع: لا يقع الطلاق بغير لفظ فلو نواه بقلبه، من غير لفظ لم يقع، خلافا لابن سيرين والزهري. انتهى.
وقال ابن مفلح في الآداب: لو طلق بقلبه لم يقع، ولو أشار بإصبعه لعدم اللفظ. انتهى.
ونخشى عليك أيها السائل أن تكون من أهل الوسوسة فالواجب عليك أن تعرض عن هذا كله، وأن تصرف هذه الوساوس عنك، لأن الاسترسال فيها باب عظيم من أبواب الشر والفساد، وقد بينا حكم طلاق الموسوس مفصلا في الفتويين رقم: 56096، ورقم: 128080.
والله أعلم.