السؤال
اريد أن أعرف عن الحكم بن أبي العاص وابنه مروان بن الحكم وما قيل فيهما هل هو صحيح؟ أم هي روايات كاذبة؟ وماهي صفاتهم الأخلاقية ؟ ولماذا عثمان رضي الله تعالى عنه أرجع الحكم بن أبي العاص إلى المدينة وقد نفاه الرسول صلى الله عليه وسلم ؟ وهل مروان بن الحكم خان عثمان ؟ وهل الأحاديث التي وردت عن النبي عليه الصلاة والسلام حول بني أمية صحيحة في لعنهم وغيرها ؟
أفيدوني يرحمكم الله فإن للصحابة معزة في قلبي ويؤلمني أن أسمع عنهم كلاما يجرحهم. وشكرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما حبك للصحابة فأمر نسأل الله أن يكتب لك به الأجر، وهذا هو الواجب على كل مسلم أن يعظم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ويعتقد فضلهم وعلو رتبتهم ويكون سليم الصدر لجميعهم رضي الله عنهم.
وأما الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس، فهو من مسلمة الفتح، وقد قيل إن النبي صلى الله عليه وسلم نفاه إلى الطائف لكونه حاكى مشيته عليه الصلاة والسلام، وطعن كثير من العلماء في هذه القصة، وقد بين شيخ الإسلام رحمه الله هذا وأجاب عن إرجاع عثمان رضي الله عنه له إلى المدينة على فرض أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم نفاه إلى الطائف. فقال في منهاج السنة ما مختصره: الحكم بن أبي العاص كان من مسلمة الفتح، وكانوا ألفي رجل، ومروان ابنه كان صغيرا إذ ذاك، فإنه من أقران ابن الزبير والمسور بن مخرمة، عمره حين الفتح سن التمييز: إما سبع سنين، أو أكثر بقليل، أو أقل بقليل... ولم تكن الطلقاء تسكن بالمدينة في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم -. فإن كان قد طرده، فإنما طرده من مكة لا من المدينة، ولو طرده من المدينة لكان يرسله إلى مكة. وقد طعن كثير من أهل العلم في نفيه، وقالوا: هو ذهب باختياره. وقصة نفي الحكم ليست في الصحاح، ولا لها إسناد يعرف به أمرها. ومن الناس من يروي أنه حاكى النبي صلى الله عليه وسلم في مشيته وقيل غير ذلك، ويقولون إنه نفاه إلى الطائف. وإذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد عزر رجلا بالنفي، لم يلزم أن يبقى منفيا طول الزمان، فإن هذا لا يعرف في شيء من الذنوب، ولم تأت الشريعة بذنب يبقى صاحبه منفيا دائما.. فإن كان تعزير الحكم لذنب حتى يتوب منه، فإذا تاب سقطت العقوبة عنه، وإن كانت على ذنب ماض فهو أمر اجتهادي لم يقدر فيه قدر، ولم يوقت فيه وقت.. وإذا كان كذلك، فالنفي كان في آخر الهجرة، فلم تطل مدته في زمن أبي بكر وعمر. فلما كان عثمان طالت مدته، وقد كان عثمان شفع في عبد الله بن أبي سرح إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكان كاتبا للوحي، وارتد عن الإسلام، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أهدر دمه فيمن أهدر، ثم جاء [به] عثمان فقبل النبي - صلى الله عليه وسلم - شفاعته فيه وبايعه، فكيف لا يقبل شفاعته في الحكم؟ ! وقد رووا أن عثمان سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يرده فأذن له في ذلك. ونحن نعلم أن ذنبه دون ذنب عبد الله بن سعد بن أبي سرح. وقصة [عبد الله] ثابتة معروفة بالإسناد الثابت. وأما قصة الحكم فعامة من ذكرها إنما ذكرها مرسلة، وقد ذكرها المؤرخون الذين يكثر الكذب فيما يروونه، وقل أن يسلم لهم نقلهم من الزيادة والنقصان، فلم يكن هنا نقل ثابت يوجب القدح فيمن هو دون عثمان. والمعلوم من فضائل عثمان، ومحبة النبي - صلى الله عليه وسلم - له، وثنائه عليه، وتخصيصه بابنتيه، وشهادته له بالجنة، وإرساله إلى مكة، ومبايعته له عنه لما أرسله إلى مكة، وتقديم الصحابة له باختيارهم في الخلافة، وشهادة عمر وغيره له بأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مات وهو عنه راض، وأمثال ذلك مما يوجب العلم القطعي بأنه من كبار أولياء الله المتقين، الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه، فلا يدفع هذا بنقل لا يثبت إسناده، ولا يعرف كيف وقع، ويجعل لعثمان ذنب بأمر لا يعرف حقيقته، بل مثل هذا مثل الذين يعارضون المحكم بالمتشابه، وهذا من فعل الذين في قلوبهم زيغ، الذين يبتغون الفتنة. انتهى.
فهذا فيما يتعلق بالحكم بن أبي العاص وقصة نفيه وعذر عثمان رضي الله عنه في رده إلى المدينة على تقدير ثبوت القصة.
وأما مروان ابنه فلم يثبت أنه خان عثمان رضي الله عنه، ولا كان معروفا بشر قبل الفتنة، بل قال أبو محمد ابن حزم رحمه الله: مروان ما نعلم له جرحة قبل خروجه على أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما. انتهى، وهو صريح في نفي كل ما نسب إلى مروان من خيانة لعثمان أو قتل لطلحة أو غير ذلك مما كان قبل الفتنة التي وقعت بينه وبين ابن الزبير رضي الله عنهما، وكان ذلك في سنة أربع وستين في آخر حياة مروان، وقال عنه شيخ الإسلام: وكان مسلما باطنا وظاهرا يقرأ القرآن ويتفقه في الدين ولم يكن قبل الفتنة معروفا بشيء يعاب به. وأما الفتنة فأصابت من هو أفضل من مروان، ولم يكن مروان ممن يحاد الله ورسوله. وأما أبوه الحكم فهو من الطلقاء، والطلقاء حسن إسلام أكثرهم، وبعضهم فيه نظر. ومجرد ذنب يعزر عليه لا يوجب أن يكون منافقا في الباطن. انتهى.
وعد الحافظ في الإصابة مروان من جملة الصحابة، فإن ثبتت له الصحبة فلا كلام، وذكر الحافظ أنه كان يعد من الفقهاء، وقد وثق به أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه واستكتبه، وولاه معاوية رضي الله عنه المدينة مرات وحسنت سيرته في أهلها. فهذا بعض ما يتعلق بمروان بن الحكم.
وأما الأحاديث في ذم بني أمية ولعنهم فلا يصح منها شيء، قال الحافظ ابن القيم رحمه الله: وكل حديث في ذم بني أمية فهو كذب. انتهى.
والله أعلم.