توفي عن خمسة أبناء وثلاث بنات وزوجة مطلقة

0 208

السؤال

رجل توفي، وكان قد طلق زوجته، وله خمسة ذكور، وثلاث بنات، وترك مبلغا من المال، فهل ترث زوجته المطلقة؟ وهل يجوز للبنات أن يطالبن بحقهن؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن للبنات الحق في الإرث مما تركه أبوهن، ولهن أن يطالبن به إذا منعن منه؛ قال تعالى: للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا {النساء:7}.

وفي خصوص الزوجة: فإن كانت مطلقة طلاقا رجعيا، ومات زوجها قبل تمام عدتها؛ فإنها ترثه باتفاق أهل العلم؛ لأنها في حكم الزوجة، جاء في شرح الزركشي -الحنبلي- على مختصر الخرقي، متحدثا عن الرجعية: ولأنها في حكم الزوجة في الإرث، واللعان، وغير ذلك. انتهى.

وفي مختصر خليل بن إسحاق المالكي: والرجعية كالزوجة، إلا في تحريم الاستمتاع، والدخول عليها، والأكل معها. انتهى.

أما إن طلقها طلاقا بائنا وهو صحيح، أو رجعيا، وانقضت عدتها؛ فلا إرث؛ لانقطاع السبب الموجب للإرث، وهو عقد الزوجية، قال ابن قدامة في المغني: وإن طلقها في الصحة طلاقا بائنا، أو رجعيا، فبانت بانقضاء عدتها، لم يتوارثا إجماعا. انتهى.

أما إن طلقها بائنا وهو مريض مرض الموت، فقد اختلف في إرثها منه:

فمن أهل العلم من يورثها مطلقا، ولو طال الزمن، بل لو انقضت عدتها، وتزوجت غيره، فلا ينقطع إرثها منه، معاملة له بنقيض قصده، قال ابن أبي زيد -المالكي- في الرسالة: والمطلقة ثلاثا في المرض، ترث زوجها، إن مات من مرضه ذلك، ولا يرثها، وكذلك إن كان الطلاق واحدة، وقد مات من مرضه ذلك بعد العدة. انتهى. 

 ومنهم من يورثها ما لم تتزوج، ومنهم من لا يورثها أصلا، قال ابن قدامة في المغني: وإن طلقها في الصحة طلاقا بائنا أو رجعيا، فبانت بانقضاء عدتها، لم يتوارثا إجماعا.

وإن كان الطلاق في المرض المخوف، ثم مات من مرضه ذلك في عدتها، ورثته، ولم يرثها إن ماتت.

يروى هذا عن عمر، وعثمان -رضى الله عنهما-، وبه قال عروة، وشريح، والحسن، والشعبي، والنخعي، والثوري، وأبو حنيفة في أهل العراق، ومالك في أهل المدينة، وابن أبي ليلى، وهو قول الشافعي في القديم.

وروي عن عتبة بن عبد الله بن الزبير: لا ترث مبتوتة. وروي ذلك عن علي، وعبد الرحمن بن عوف، وهو قول الشافعي الجديد؛ لأنها بائن، فلا ترث، كالبائن في الصحة، أو كما لو كان الطلاق باختيارها، ولأن أسباب الميراث محصورة في رحم، ونكاح، وولاء، وليس لها شيء من هذه الأسباب...

إذا ثبت هذا؛ فالمشهور عن أحمد أنها ترثه في العدة، وبعدها، ما لم تتزوج.

قال أبو بكر: لا يختلف قول أبي عبد الله في المدخول بها، إذا طلقها المريض، أنها ترثه في العدة، وبعدها، ما لم تتزوج. روي ذلك عن الحسن، وهو قول البتي، وحميد، وابن أبي ليلى، وبعض البصريين، وأصحاب الحسن، ومالك في أهل المدينة.

ذكر عن أبي بن كعب؛ لما روى أبو سلمة بن عبد الرحمن، أن أباه طلق أمه وهو مريض، فمات، فورثته بعد انقضاء العدة. ولأن سبب توريثها فراره من ميراثها، وهذا المعنى لا يزول بانقضاء العدة. انتهى. 

فهذه أحكام عامة في ميراث الزوجة المطلقة، وقد رأيت ما في بعض حالاتها من خلاف كبير.

وحاصل ذلك أن لها حالات ثلاث ترث في بعضها باتفاق، ولا ترث في بعضها باتفاق، ومختلف في إرثها في بعضها.

وتنزيل هذا على مسألة بعينها، يحتاج إلى معرفة الظروف التي جرى فيها الطلاق، وحالة المطلقة عند وفاة المطلق.

فإذا افترضنا أن هذه المطلقة لا ترث، وكان الورثة محصورين فيمن ذكر، فإن التركة تقسم بين الأولاد -ذكورا وإناثا- للذكر مثل حظ الأنثيين؛ لقوله تعالى: يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين {النساء:11}.

فتقسم التركة على ثلاثة عشر سهما، لكل ابن سهمان، ولكل بنت سهم واحد.

وإن كانت المطلقة وارثة، فإن لها الثمن من تركة زوجها؛ لوجود الفرع الوارث، قال الله تعالى: فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم من بعد وصية توصون بها أو دين {النساء:12}.

والباقي يقسم بين الأولاد -ذكورا وإناثا- للذكر مثل حظ الأنثيين، وتوزع التركة على 104 أسهم، للزوجة ثمنها، وهو 13سهما، ولكل ابن 14 سهما، ولكل بنت 7 أسهم.

 ثم إننا ننبه السائلة إلى أن أمر التركات أمر خطير جدا، وشائك للغاية، ومن ثم؛ فلا يمكن الاكتفاء فيه، ولا الاعتماد على مجرد فتوى أعدها صاحبها طبقا لسؤال ورد عليه، بل لا بد من أن ترفع للمحاكم الشرعية؛ كي تنظر فيها وتحقق، فقد يكون هناك وارث لا يطلع عليه إلا بعد البحث، وقد تكون هناك وصايا، أو ديون، أو حقوق أخرى لا علم للورثة بها، ومن المعروف أنها مقدمة على حق الورثة في المال، فلا ينبغي إذن قسم التركة دون مراجعة للمحاكم الشرعية -إذا كانت موجودة- تحقيقا لمصالح الأحياء والأموات.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة