السؤال
ما حكم الشخص الذي يتستر وراء الدين ليصل إلى المناصب المرموقة؟ وجزاكم الله خيرا.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن أراد بعمله عرضا من الدنيا فليس له في الآخرة من نصيب، قال تعالى: من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب {الشورى: 20}.
وقال سبحانه: من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون { هود:15ـ 16}.
وراجع لمزيد الفائدة الفتوى رقم: 49482.
وفرق عظيم بين خدمة الدين واستخدام الدين، فالأول يبذل صاحبه دنياه طلبا لأخراه، والثاني: يبيع صاحبه دينه بعرض من الدنيا، وقد حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم من أزمنة الفتن التي يجري فيها ذلك، فقال صلى الله عليه وسلم: بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا، أو يمسي مؤمنا ويصبح كافرا، يبيع دينه بعرض من الدنيا. رواه مسلم.
والذي يستخدم الدين لطلب الدنيا أسوأ حالا ممن ينشغل بدنياه عن دينه وآخرته أصلا، لأنه يجمع إلى غفلته عن آخرته التزين بما ليس فيه، وهذا من الكذب والزور المشين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور. متفق عليه.
ومن مساوئ هذا المسلك الفاجر أن صاحبه يصد عن سبيل الله بعمله، وفي هذا خطر عظيم على صاحبه، فقد قال الله تعالى: ولا تتخذوا أيمانكم دخلا بينكم فتزل قدم بعد ثبوتها وتذوقوا السوء بما صددتم عن سبيل الله ولكم عذاب عظيم {النحل:94}.
وفي هذا أيضا شبه بفجرة أهل الكتاب الذي اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة، وقد حذرنا الله منهم فقال: يا أيها الذين آمنوا إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله {التوبة: 34}.
وراجع الفتوى رقم: 132866.
وأخيرا ننبه إلى أمرين:
الأول: أن وصف المسلم بأنه يتستر وراء الدين ليصل إلى منصب، لا يجوز إلا ببينة، فإنه من سوء الظن المنهي عنه، قال تعالى: يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم {الحجرات:12}.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ولا تحسسوا ولا تجسسوا ولا تنافسوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا. متفق عليه.
الثاني: أن هذا الوصف يطلقه بعض أعداء الدين ليشوهوا به صورة المشتغلين بالشأن العام والسياسة الشرعية من حملة المشروع الإسلامي للأمة فليحذر من ذلك.
والله أعلم.