السؤال
أعمل كمترجمة، وقد طلب منى أحد الطلبة الأكاديميين من دولة النمسا أن أقوم بترجمة كتاب: الأجناس ـ لآصف بن برخيا بهدف البحث العلمي في الجامعة، وأكد لي أن تلك الترجمة ليست لهدف ممارسة السحر ـ والعياذ بالله ـ ولن يتم طبعها أو نشرها إطلاقا، ولكن من أجل أبحاثه المتعلقة بالخرافات ومجموعته الخاصة فقط ولن يطلع عليها غيره، وقد شرعت بالفعل في ترجمة الكتاب وتقاضيت جزءا من المبلغ المتفق عليه، ولكن أكد لي بعض الزملاء عدم شرعية ترجمة مثل هذا الكتاب، وقد قمت العام الماضي بالمساعدة في ترجمة كتاب: ما هي الصوفية؟ لمارتن لينجز لباحثة إسلامية وكان الكتاب مقررا إجباريا عليها، وكانت فيه مخالفات شرعية كثيرة مثل نزول الوحي على مشايخ الصوفية ولم يقل لي أحد إن ترجمته حرام، فتوقعت أن الأمر مماثل بالنسبة لكتاب الأجناس مادام الهدف هو الدراسة والبحث وليس ممارسة السحر والضلال، ولكنني الآن في شك وحيرة من أمري، فأنا أرفض تماما أن أطعم أطفالي الثلاثة من مال حرام مهما كانت شدة حاجتي لذلك المال، أرجو إفادتي سريعا بالله عليكم في هذا الأمر، وشكرا جزيلا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يكفيك بحلاله عن حرامه، وأن يغنيك بفضله عن من سواه.
وأما حكم الترجمة فقد سبق لنا بيان أنها كالكتابة ابتداء، فكل ما لا يجوز للمسلم كتابته من العبارات لا يجوز له ترجمته ولا تقاضي أجر عليه. وراجعي في ذلك الفتويين رقم: 118575، ورقم: 135920.
وذلك لأن الترجمة تسهم في نشر المادة المترجمة وترويجها، فإن كانت منحرفة كان ذلك سببا في إشاعة الباطل، وقد تناول الدكتور سعود العتيبي في رسالته للماجستير: أسباب الوقوع في البدع: الأسباب الخارجية التي كانت وراء وقوع المبتدع في البدعة ـ وذكر أربعة أسباب منها: الفصل الرابع: ترجمة كتب أهل الكفر والضلال، وقال في خاتمة البحث: كان لترجمة كتب أهل الكفر والضلال من اليونان والهنود والفرس وغيرهم دور في إضلال من ضل من الناس، كترجمة كتب الفلسفة والمنطق والسحر وعادات أولئك الأمم الكافرة الغابرة، وقد أسهم في الافتتان بتلك الكتب المترجمة التسهيلات التي قد قدمت للمترجمين من النصارى والهنود والفرس والصابئة، وذلك من قبل ولاة البدعة والضلال. اهـ.
فالأصل أنه لا يجوز للمسلم ترجمة كتب الضلال، كما أن الأصل أنه لا يجوز له قراءتها، ولكن يستثنى من ذلك ما كان فيه مصلحة شرعية كأن يقرأ مثل هذه الكتب عالم حاذق ليرد على أهلها ويبين خطأهم، وكذلك يجوز ترجمتها لمثل هؤلاء لنحو هذا الغرض، ويلزم من يقوم بالترجمة في هذه الحال أن يأمن على نفسه الفتنة والتأثر بهذه الضلالات، وراجعي الفتوى رقم: 49100.
وعلى ذلك، فإن كانت السائلة تأمن على نفسها، وعلى الطلاب الذين يحتاجون لمثل هذه الكتب، من التأثر أو الانجراف للباطل بسبب هذه الكتب، وكان في دراستهم لها مصلحة شرعية كبيان ما فيها من الباطل، والعلم بالشر لتجنبه والتحذير منه، فلا بأس بترجمتها لهم، فإن خلت الدراسة من هذه الفائدة ونحوها فالأصل عدم الجواز كما سبق.
والله أعلم.