السؤال
أريد أن أسأل كيف لنا أن نوفق بين رحمة الله وعذابه؟ يعني: الله يوم القيامة سيعدل كل العدل، وهذا من صفاته جل وعلا، ولكن رحمة الله في نفس الوقت وسعت كل شيء أي من الممكن أن يكون العبد قد ارتكب الكثير من الأخطاء والذنوب ولكن الله يعفو عنه، فكيف سيتقبل العبد المؤمن ذلك؟ يعني هل معقول أن يرحم الله عبدا يصلي فرضا ويترك عشرة ويكذب هنا وهناك، وإذا كانت امرأة تنمص حاجبها وترتدي الضيق وتظهر في الشارع متبرجة وتتكلم مع الرجال الأجانب كأنهم إخوانها ثم يرحمها الله ويدخلها الجنة، وفي المقابل امرأة ثانية لا تنمص حاجبها طاعة لله وأمره ولا تسلم على الرجال ولا تتكلم معهم إلا للضرورة كالعمل والدراسة وتحافظ على صلواتها ونوافلها وتجاهد نفسها كي لا ترتكب الذنوب فيساويها الله مع تلك ويدخلها مثلها الجنة، مع أن تلك المذنبة لم تتعب بالمجاهدة ولم تفعل كل ما أمرها الله به ونهاها عنه، فكيف للمؤمن أن يتقبل ذلك؟ وجزاك الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا تعارض بين كون الله عدلا وبين رحمته وتفضله على المسيء بمغفرة الذنوب، فإن المغفرة تفضل منه سبحانه، والفضل شيء غير العدل، ولو عاملهم بعملهم لما دخل أحد منهم الجنة، قال الله تعالى: فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شيء قدير{البقرة: 284}.
وقال تعالى: يعذب من يشاء ويرحم من يشاء وإليه تقلبون {العنكبوت:21}.
قال الإمام القرطبي: يعذب من يشاء: أي بعدله، ويرحم من يشاء: أي بفضله.
قال ابن كثير: أي هو الحاكم المتصرف الذي يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد لا معقب لحكمه ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون، فله الخلق والأمر مهما فعل فعدل، لأنه الملك الذي لا يظلم مثقال ذرة. اهـ.
وقال تعالى: لا يسأل عما يفعل وهم يسألون {الانبياء:23}.
وما أحسن قول الشافعي رحمه الله:
فما شئت كان وإن لم أشأ * وما شئت لو لم تشأ لم يكن
خلقت العباد على ما علمت ففي العلم يجري الفتى والمسن
على ذا مننت وهذا خذلت وهذا أعنت وذا لم تعن
وهذا شقي وهذا سعيد وهذا قبيح وهذا حسن.
ثم اعلمي أن كون الله تعالى يغفر للمسيء ويدخله الجنة لا يعني أنه في نفس الدرجة مع غيره ممن هو خير منه، ففي الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن أهل الجنة يتراءون أهل الغرف من فوقهم كما تتراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق من المشرق أو المغرب لتفاضل ما بينهم، قالوا: يا رسول الله، تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم؟ قال: بلى، والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين.
والله أعلم.