الغرر في عقود التبرع يختلف عن عقود المعاوضة

0 197

السؤال

أشكلت علي في حكم الغرر قضايا معاصرة كثيرة، لا أعلم هل تدخل ضمن الغرر المحرم أم أن لها حكم ما عمت به البلوى، أم لها حكم ما يصعب الاحتراز منه من الغرر، فالبريد الإلكتروني المجاني الذي أرسل لحضراتكم منه السؤال الآن، هو من شركة معروفة تقدم مساحة معينة لكل بريد إلكتروني، وسنفترض أن المساحة 7 جيجا بايت، علما بأن عدد المشتركين بالملايين، وأظن أنه يتجاوز ـ والله أعلم ـ حاجز 20 مليون بريد، ولعل أغلبها لا يستخدمه أصحابه أصلا! وإذا ضربنا 7 * 20 مليون، فإنه ينتج عندنا 140 مليون جيجا بايت وهو رقم واضح جدا أنه يتجاوز مقدرة أي شركة على توفيره، إذا كان أصلا من الممكن توفيره، وبالتالي بلا شك فالشركة تتعامل هنا بنوع من الغرر، فهل يجوز هذا؟ ولو من باب مثلا أن الشركة تعدك أنك إذا احتجت للـ7 جيجا بايت فستجدها، وإلا فليس لك عندنا شيء؟ وهل يغير من الأمر شيء أن المعاملة مجانية؟ وهل النسخة المدفوعة التي تقدم إمكانيات أكبر تختلف في الحكم؟ طبعا مثالي السابق لا ينطبق على البريد فقط، بل ينطبق على أغلب الشركات التي تستضيف مواقع الويب، وليست كلها، لأن هناك شركات تجعلك تدفع حسب الاستخدام فقط، وتلك قليلة، لكنها موجودة، وينطبق أيضا على شؤون كثيرة جدا منها اشتراك الإنترنت من شركات الاتصالات، فهم يقدمون لك 1 ميجا بايت كسرعة إنترنت في الثانية مثلا لمجرد شهر، لكن بالطبع لا يمكنهم توفير كل هذه السرعة لكل المشتركين لو دخلوا كلهم في نفس الثانية! بل لو حدث هذا، فالراجح أن أغلبهم لن يستطيعوا أصلا الاتصال بالشبكة، بل أصلا سرعة الإنترنت نادرا ما تصل إلى أقصى سرعة، وهذا معروف! أثق بأن سؤالي هذا غير مكرر ـ والله أعلم ـ لذا أرجو عدم تحويلي إلى سؤال آخر عن الغرر، وبارك الله فيكم.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فما سألت عنه من الغرر الحاصل في البريد المجاني فإنه لا تأثير له، إن كان ثمت غرر، إذ إن هذه الشركة المانحة وهبت منفعة الاشتراك لمن يريده من الناس، ولو ترتب على هذه الهبة أن بعض المشتركين قد لا يتمكن من استخدام حسابه واستيفاء منفعته فلا ضرر في ذلك، ولو أن الشركة عندما منحت الاشتراك زعمت أن تكون الخدمة موفرة كل حين، بناء على أن الغرر في عقود التبرع مغفور، أما ما سألت عنه من أمر الاشتراك المدفوع ـ بريدا كان أو غيره ـ فإن العقد على هذا النوع من الخدمات من قبيل الإجارة، إذ العميل يدفع ما يدفع مقابل خدمة محددة بالمدة تقدر الشركة المؤجرة على توفيرها له، ومعلوم أن هذه الخدمة قد تتعذر في بعض الأحيان القليلة إلا أن ذلك غرر يسير مغتفر تدع الحاجة إلى إلغائه، أما لو كانت هذه الخدمة غير مملوكة للشركة غير قادرة على توفيرها لأخل ذلك بالعقد، إذ يشترط ملك المنفعة والقدرة على تسليمها في عقد الإجارة وبالتالي يدخل الغرر في مثل هذا العقد. 

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة