الإقدام على المعاصي وتأخير التوبة من تزيين الشيطان ومكره بالإنسان

0 245

السؤال

ما حكم إضمار التوبة قبل الذنب؟ في كثير من الأحيان أشعر أنه يجب أن أستفرغ المعصية جميعها ثم أتوب حتى أشعر بطعم التوبة؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

 فهذا من تلبيس الشيطان عليك ولعبه بك، فما يدريك أنك تعيش حتى تتوب، وما يدريك لو عشت أن نيتك تبقى معك وعزمك على التوبة يظل موجودا، والقلب ليس بيد العبد، بل القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، ثم إن السيئة تلد أختها وهكذا، ولذا قال بعض السلف: من علامة الحسنة الحسنة بعدها، ومن علامة السيئة السيئة بعدها.

إن هذا الانهماك في المعصية والظن أن المرء متى أراد التوبة قدر عليها يخشى أن يكون من الأمن من مكر الله تعالى، وقد قال الله تعالى: أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون {الأعراف:99}.

والتوبة واجبة على الفور فلا يجوز تأخيرها ولا التسويف فيها، وتسويف التوبة من أعظم أحابيل الشيطان التي يصيد بها من لا فقه له من بني آدم، فحذار حذار من تلك المكيدة التي يريدك بها، يقول ابن القيم رحمه الله: والجد هاهنا هو صدق العمل وإخلاصه من شوائب الفتور، ووعود التسويف والتهاون، وهو تحت السين وسوف، وعسى، ولعل، فهي أضر شيء على العبد، وهي شجرة ثمرها الخسران والندامات. انتهى.

وهذا التسويف المقيت هو الذي أوقع إخوة يوسف فيما أوقعهم فيه حين قالوا: اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضا يخل لكم وجه أبيكم وتكونوا من بعده قوما صالحين {يوسف:9}.

قال القشيري: قوله جل ذكره: وتكونوا من بعده قوما صالحين ـ عجلوا بالحرام، وعلقوا التوبة بالتسويف والعزم، فلم يمح ما أجلوا من التوبة ما عجلوا من الحوبة. انتهى.

ولأبي حامد الغزالي كلام طيب في علاج التسويف وبيان خطره وأنه دال على حماقة المسوف واغتراره، يقول رحمه الله: وأما تسويف التوبة: فيعالجه بالفكر في أن أكثر صياح أهل النار من التسويف، لأن المسوف يبني الأمر على ما ليس إليه وهو البقاء فلعله لا يبقى وإن بقي فلا يقدر على الترك غدا كما لا يقدر عليه اليوم، فليت شعري هل عجز في الحال إلا لغلبة الشهوة والشهوة ليست تفارقه غدا، بل تتضاعف إذ تتأكد بالاعتياد، فليست الشهوة التي أكدها الإنسان بالعادة كالتي لم يؤكدها وعن هذا هلك المسوفون، لأنهم يظنون الفرق بين المتماثلين ولا يظنون أن الأيام متشابهة في أن ترك الشهوات فيها أبدا شاق وما مثال المسوف إلا مثاله من احتاج إلى قلع شجرة فرآها قوية لا تنقلع إلا بمشقة شديدة فقال أؤخرها سنة ثم أعود إليها وهو يعلم أن الشجرة كلما بقيت ازداد رسوخها وهو كلما طال عمره ازداد ضعفه فلا حماقة في الدنيا أعظم من حماقته، إذ عجز مع قوته عن مقاومة ضعيف فأخذ ينتظر الغلبة عليه إذا ضعف هو في نفسه وقوي الضعيف. انتهى.

فإذا أعطيت ما ذكرناه لك حقه من التأمل بان لك خطر هذا المسلك وأنه وخيم العاقبة.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات