وجوب الثناء على الصحابة والكف عما شجر بينهم

0 340

السؤال

في موضوع بيعة الإمام الحسن ـ رضي الله عنه ـ للخليفة معاوية بن أبي سفيان في عام الجماعة سنة 41 للهجرة ثمة أمر ما، وهو أن الحسن عندما سلم الخلافة لمعاوية اشترط عليه أن تكون الخلافة شورى بعده، والتاريخ يثبت بأنه سلمها إلى ولده يزيد مع وجود فطاحلة العلم والتقوى من الصحابة وآل البيت في مكة والمدينة ـ رضوان الله تعالى عليهم أجمعين ـ والإمام الحسين أحد أولئك الأفذاذ..أفيدونا بتفصيل واف لا سيما وأننا نواجه الكثير من الأسئلة والشبهات حول هذا الموضوع، وشكرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد تكلمنا على فضل معاوية ـ رضي الله عنه ـ وعدم إصابته في تولية يزيد بعده وأنه لا يؤثم بذلك، بل هو مجتهد مأجور على اجتهاده، وراجع  في ذلك الفتاوى التالية أرقامها:3845، 20218، 25873، 28835، 34898، 52235، 62933.

ونؤكد هنا أن على المسلم في هذا العصر أن يهتم بإصلاح نفسه وإصلاح مجتمعه وإصلاح عصره، وأن يكف عن الصحابة والبحث عن أخطائهم، لأنهم أفضوا إلى ما قدموا، وقد رضي الله عنهم وزكاهم وعدلهم في كتابه، وأثنى عليهم، فقد ذكر ابن أبي زيد القيرواني ـ رحمه الله ـ في الرسالة في كلامه على العقيدة: أنه لا يذكر أحد من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بأحسن ذكر، وأن على المسلمين أن يمسكوا عما شجر بينهم، وأنهم أحق الناس أن يتلمس لهم أحسن المخارج، ويظن بهم أحسن المذاهب.

وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في الفتاوى: أن السلف اتفقوا على الثناء على الصحابة المقتتلين بالجمل وصفين، والإمساك عما شجر بينهم.

و قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: اعلم أن الدماء التي جرت بين الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ ليست بداخلة في هذا الوعيد ـ يعني قول النبي صلى الله عليه وسلم: إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار ـ ومذهب أهل السنة والحق إحسان الظن بهم، والإمساك عما شجر بينهم، وتأويل قتالهم، وأنهم مجتهدون متأولون لم يقصدوا معصية، ولا محض الدنيا؛ بل اعتقد كل فريق أنه المحق، ومخالفه يأثم، فوجب عليه قتاله ليرجع إلى الله، وكان بعضهم مصيبا وبعضهم مخطئا معذورا في الخطأ، لأنه اجتهاد، والمجتهد إذا أخطأ لا إثم عليه. انتهى.

وقال الإمام القرطبي رحمه الله تعالى: لا يجوز أن ينسب إلى أحد من الصحابة خطأ مقطوع به، إذ كانوا كلهم اجتهدوا فيما فعلوه، وأرادوا الله عز وجل، وهم كلهم لنا أئمة، وقد تعبدنا بالكف عما شجر بينهم، وألا نذكرهم إلا بأحسن الذكر، لحرمة الصحبة، ولنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن سبهم، وأن الله غفر لهم، وأخبر بالرضا عنهم. انتهى.

وقال شيخ الإسلام في الواسطية: ومن أصول أهل السنة والجماعة: سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم... ويحبون أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتولونهم ويحفظون فيهم وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم... ويتبرؤون من طريقة الروافض الذين يبغضون الصحابة ويسبونهم، ومن طريقة النواصب الذين يؤذون أهل البيت بقول أو عمل، ويمسكون عما شجر بين الصحابة، ويقولون: إن هذه الآثار المروية في مساويهم منها ما هو كذب ومنها ما قد زيد فيه ونقص وغير عن وجهه، والصحيح منه هم فيه معذورون إما مجتهدون مصيبون وإما مجتهدون مخطئون، وهم مع ذلك لا يعتقدون أن كل واحد من الصحابة معصوم عن كبائر الإثم وصغائره، بل تجوز عليهم الذنوب في الجملة، ولهم من السوابق والفضائل ما يوجب مغفرة ما يصدر منهم إن صدر حتى إنه يغفر لهم من السيئات ما لا يغفر لمن بعدهم، لأن لهم من الحسنات التي تمحو السيئات ما ليس لمن بعدهم، وقد ثبت بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنهم خير القرون ـ وإن المد من أحدهم إذا تصدق به كان أفضل من جبل أحد ذهبا ممن بعدهم، ثم إذا كان قد صدر من أحدهم ذنب فيكون قد تاب منه أو أتى بحسنات تمحوه، أو غفر له بفضل سابقته أو بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم الذي هم أحق الناس بشفاعته، أو ابتلي ببلاء في الدنيا كفر به عنه، فإذا كان هذا في الذنوب المحققة فكيف بالأمور التي كانوا فيها مجتهدين: إن أصابوا فلهم أجران، وإن أخطئوا فلهم أجر واحد، والخطأ مغفور لهم؟ ثم القدر الذي ينكر من فعل بعضهم قليل نزر مغمور في جنب فضائل القوم ومحاسنهم من الإيمان بالله ورسوله، والجهاد في سبيله، والهجرة والنصرة والعلم النافع والعمل الصالح. انتهى باختصار.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة