الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالدعاء للناس بالهداية ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم، كما في الحديث عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قدم الطفيل بن عمرو الدوسي على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن دوسا قد عصت وأبت فادع الله عليها، فاستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم القبلة ورفع يديه فظن الناس أنه يدعو عليهم فقال: اللهم اهد دوسا وائت بهم. متفق عليه.
ودعا لثقيف كما في الحديث: اللهم اهد ثقيفا. رواه أحمد والترمذي, وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب ـ وقال الأرناؤوط في حديث أحمد: إسناده قوي على شرط مسلم.
وكان اليهود يتعاطسون عند النبي صلى الله عليه وسلم رجاء أن يقول لهم يرحمكم الله, فكان يقول: يهديكم الله ويصلح بالكم. كما في الحديث الذي رواه أحمد والترمذي والبخاري في الأدب المفرد وصححه الأرناؤوط والألباني.
واما الدعاء على الظالم فهو جائز ، والأولى تركه والعفو عمن ظلم؛ كما قال تعالى: وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين {النحل :126}، وقال تعالى: ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور {الشورى :43}، والآيات في هذا المعنى كثيرة، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لعقبة بن عامر : يا عقبة بن عامر : صل من قطعك، وأعط من حرمك، واعف عمن ظلمك. رواه أحمد وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة.
وقد دل لجواز الدعاء قول الله عز وجل : لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم وكان الله سميعا عليما {النساء:148}.
قال ابن كثير في التفسير: قال ابن عباس في الآية : يقول: لا يحب الله أن يدعو أحد على أحد ، إلا أن يكون مظلوما، فإنه قد أرخص له أن يدعو على من ظلمه، وذلك قوله: (إلا من ظلم ) ، وإن صبر فهو خير له. انتهى .
وقد دعا جمع من الصحابة على من ظلمهم؛ كما دعا سعيد بن زيد على المرأة التي غصبته داره، ودعا سعد بن أبي وقاص على الذي بهته من أهل الكوفة، وهذا كله ثابت في الصحيح.
ومن الدعاء المشروع الثابت في السنة، ما روى جابر رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: اللهم أصلح لي سمعي وبصري، واجعلهما الوارثين مني، وانصرني على من ظلمني، وأرني منه ثأري. رواه البخاري في الأدب المفرد.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قلما كان يقوم من مجلس حتى يدعو بهؤلاء الدعوات لأصحابه: اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك . . . واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا . رواه الترمذي وحسنه الألباني في صحيح الترمذي .
وأما الدعاء للظالم بكونه ينصف المظلوم فلا حرج فيه، كما يجوز سؤال الله أن ينصفك منه بما يشاء سبحانه وتعالى.
وأما الدعاء عليه بالانتقام الذي تختارينه أنت والذي حددته بقولك: (بجعل من ظلمنا ينصفنا ) فيجوز، علما بأن دعاء المظلوم لا يجوز أن يتجاوز فيه قدر مظلمته، فإن تعدى في دعائه فهو ظالم، قال الإمام أحمد: الدعاء قصاص. وقال: فمن دعا فما صبر. أي فقد انتصر لنفسه.
وقال القرافي: وحيث قلنا بجواز الدعاء على الظالم فلا تدعو عليه بمؤلمة من أنكاد الدنيا لم تقتضها جنايته عليك بأن يجني عليك جناية فتدعو عليه بأعظم منها فتكون جانيا عليه بالمقدار الزائد، والله تعالى يقول: فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم.
والله أعلم.