السؤال
هل الخشوع هو البكاء خوفا من الله؟ أو هو أن تكون خائفا من الله في قلبك وتخاف أن تقع في المعاصي المؤذية؟
هل الخشوع هو البكاء خوفا من الله؟ أو هو أن تكون خائفا من الله في قلبك وتخاف أن تقع في المعاصي المؤذية؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالخشوع هو الخضوع والاستكانة والتذلل لله تبارك وتعالى، ومحل الخشوع القلب, ويظهر أثره على الجوارح تعظيما لحرمات الله, وامتثالا لأمر الله, وانقيادا لحكم الله, وبكاء من خشية الله, وما إلى ذلك، والخشوع في أصل اللغة: الانخفاض، والذل، والسكون، قال تعالى: {وخشعت الأصوات للرحمن} [طه: 108], أي سكنت، وذلت، وخضعت، ومنه وصف الأرض بالخشوع، وهو يبسها وانخفاضها وعدم ارتفاعها بالري والنبات، قال تعالى: {ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت} [فصلت: 39]. قاله ابن القيم في شرح منازل السائرين: وقد تعددت عبارات الناس وتنوعت في تعريف الخشوع وبيان حده، لكنهم أجمعوا كما ذكرنا على أن محله القلب، وأن ما يظهر منه على الجوارح هو ثمرة ما في القلب. قال المحقق ابن القيم - رحمه الله -: وأجمع العارفون على أن الخشوع محله القلب، وثمرته على الجوارح، وهي تظهره. انتهى.
وخشوع الجوارح مع عدم تحقق القلب بالذل والخضوع لله أمر مذموم، قال العلامة ابن القيم: وكان بعض الصحابة رضي الله عنهم وهو حذيفة، يقول: إياكم وخشوع النفاق، فقيل له: وما خشوع النفاق؟ قال: أن ترى الجسد خاشعا والقلب ليس بخاشع، ورأى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - رجلا طأطأ رقبته في الصلاة، فقال: يا صاحب الرقبة، ارفع رقبتك، ليس الخشوع في الرقاب، إنما الخشوع في القلوب، ورأت عائشة رضي الله عنها شبابا يمشون ويتمارون في مشيتهم، فقالت لأصحابها: من هؤلاء؟ فقالوا: نساك، فقالت: كان عمر بن الخطاب إذا مشى أسرع، وإذا قال أسمع، وإذا ضرب أوجع، وإذا أطعم أشبع، وكان هو الناسك حقا، وقال الفضيل بن عياض: كان يكره أن يري الرجل من الخشوع أكثر مما في قلبه، وقال حذيفة رضي الله عنه: أول ما تفقدون من دينكم الخشوع، وآخر ما تفقدون من دينكم الصلاة، ورب مصل لا خير فيه، ويوشك أن تدخل مسجد الجماعة فلا ترى فيهم خاشعا، وقال سهل: من خشع قلبه لم يقرب منه الشيطان. انتهى.
وأما تعريف الخشوع وبيان حده فقد اختلفت فيه عبارات القوم، قال ابن القيم في بيان بعض تلك العبارات ما لفظه: والخشوع: قيام القلب بين يدي الرب بالخضوع والذل، والجمعية عليه وقيل: الخشوع الانقياد للحق، وهذا من موجبات الخشوع, فمن علاماته أن العبد إذا خولف ورد عليه بالحق استقبل ذلك بالقبول والانقياد, وقيل: الخشوع خمود نيران الشهوة، وسكون دخان الصدور، وإشراق نور التعظيم في القلب, وقال الجنيد: الخشوع تذلل القلوب لعلام الغيوب. وعرفه صاحب المنازل بقوله: الخشوع: خمود النفس، وهمود الطباع لمتعاظم، أو مفزع. وخلاصة ذلك ما قاله ابن القيم - رحمه الله -: والحق أن الخشوع معنى يلتئم من التعظيم، والمحبة، والذل والانكسار.
والله أعلم.