السؤال
حدث في منطقة في بلدي حالة اغتصاب وهتك عرض كالتالي:
الجاني: خمسة طلاب من المرحلة الثانوية في مدرسة, والمجني عليه: طالب في الصف الثامن في نفس المدرسة, والذي حدث عبارة عن قيام الجناة باستدراج المجني عليه إلى غرفة خارج المدرسة, وقاموا بهتك عرضه, والذي شفع له أحد المارة بعد أن سمع صراخه, فنحن الآن أمام فعل مثل فعل قوم لوط, وسؤالي هو: ما الحكم الشرعي على الجناة؟ وما الحكم الشرعي على المجني عليه؟ وهل الذي حدث للمجني عليه هو من قدر الله؟ ولماذا لم يتدخل رب العالمين من أجل حماية هذا المسكين؟ وما الحكمة مما حدث؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن إقامة الحدود بعد ثبوتها منوطة بولي الأمر الشرعي، وليس موكولا إلى آحاد الناس, والحد الشرعي لمن وقع في عمل قوم لوط هو القتل، وهذا باتفاق الصحابة كما قال ابن تيمية، وقد بينا ذلك في الفتوى: 1869.
أما المكره فلا حد عليه؛ لما جاء في الحديث: إن الله وضع عن أمتي الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه. أخرجه ابن ماجه.
ولا شك أن كل ما يحدث هو بتقدير الله، وهذا هو معتقد أهل السنة والجماعة، والأدلة على ذلك كثيرة تقارب الألف دليل، قال ابن القيم:
أوليس قد قام الدليل بأن أفعـ ... ـال العباد خليقة الرحمن
من ألف وجه أو قريب الألف يحـ ...صيـها الذي يعنى بهذا الشان
فمن ذلك قوله سبحانه: إنا كل شيء خلقناه بقدر {القمر:49}، وقوله تعالى: الله خالق كل شيء {الزمر:62}، وقوله صلى الله عليه وسلم: كل شيء بقدر حتى العجر والكيس. أخرجه مسلم.
ولله سبحانه أتم الحمد على كل ما يقدره, ولو كان يظهر للخلق أنه شر، فالله عز وجل ليس في أفعاله شر، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يثني على ربه بقوله: والشر ليس إليك. أخرجه مسلم، والشر الذي في المقدور هو بالنسبة للعباد، ولله سبحانه الحكمة البالغة فيما يقضيه, والعباد لا يحيطون بحكمته جل وعلا في ذلك، كما قال سبحانه: ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء {البقرة:255}، قال الإمام الطحاوي: وأصل القدر سر الله تعالى في خلقه, لم يطلع على ذلك ملك مقرب, ولا نبي مرسل، والتعمق والنظر في ذلك ذريعة الخذلان, وسلم الحرمان, ودرج الطغيان، فالحذر كل الحذر من ذلك نظرا أو فكرا أو وسوسة، فإنه تعالى طوى علم القدر عن أنامه، ونهاهم عن مرامه؛ كما قال عز وجل: لا يسأل عما يفعل وهم يسألون. فمن سأل لم فعل؟ فقد رد حكم الكتاب، ومن رد حكم الكتاب كان من الكافرين أهـ.
ومن الحكمة في تقدير الذنوب والمعاصي - كما أشار ابن القيم - ظهور مقتضى أسماء الرب وصفاته، فيظهر بها مقتضى أسمائه التواب والغفور والحليم، وغيرها، ويظهر بها مقتضى صفاته من أنه سبحانه شديد البطش، وأنه شديد العذاب، وغير ذلك.
وما أصاب هذا المظلوم قد يكون خيرا له، فيصبح سببا للجوئه لربه وإنابته إليه، وقد يكون رفعة لدرجاته, وقد يكون أصابه بذنوبه - إن كان بالغا - فيكفر به من سيئاته, ولمزيد من الفائدة والتفصيل في هذا الباب راجع الفتاوى: 172571 31767 - 53994 - 2855 - 60787.
والله أعلم.