السؤال
عندي شبهة أرهقتني, فأرجو من فضيلتكم إيجاد حل لها, وهي: إذا كان كل شيء من الله خيره وشره, فلماذا نشكر الناس على فعلهم الحسن, أو نحبهم على أخلاقهم الحسنة؟ ولماذا نحن مأمورون بحبهم لأخلاقهم الحسنة إذا كانوا هم أصلا لا يملكون شيئا لأنفسهم - مثل حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم –؟
فالشيطان يقول لي: كيف يمكن أن تلزم بحب شخص لم يخلق أفعاله الحسنة بيده؟ أو كيف يستسيغ العقل والعاطفة الإلزام بحب شخص لا يملك من أفعاله الحسنة شيئا؟ لأننا عندما نحب شخصا فإنما أحببناه ظنا منا أنه هو صاحب فعله الحسن, فإن علمنا أنه ليس مصدر هذا السلوك الحسن انقطع هذا الحبل بيننا وبينه إلى مصدره الحقيقي, فلا حب إذن إلا لله, وأنا لا أدري هل أنا مصيب أم مخطئ في عاطفتي, وهذا حائل لا يزال بيني وبين من أمرت بحبه شرعا.
أرجو من فضيلتكم أن تساعدوني.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه هي قضية الإيمان بالقضاء والقدر، والتي ذهب الناس فيها إلى طرفين ووسط، فأما الطرفان: فأحدهما: جعل العبد مسيرا، فليس له مشيئة أو إرادة، وهذا هو مذهب الجبرية, والآخر جعله مخيرا خالقا لأفعال نفسه، فلا يجري عليه قضاء الله وقدره السابق، وهذا هو مذهب القدرية, والوسط ـ وهم أهل السنة ـ فالعبد عندهم ميسر لما خلق له، فلا يصح إطلاق كونه مسيرا أو مخيرا، بل هو مسير من وجه، ومخير من وجه آخر, بمعنى أنه من جهة يؤمن بقضاء الله وقدره الذي لا يخرج عنه شيء في الكون، ومن جهة أخرى يؤمن بأن الله تعالى قد خلق له إرادة, ووهبه مشيئة، بها يكتسب عمله, ويحاسب عليه, وقد سبق لنا إيضاح ذلك في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 4054، 8652، 79824، 116993.
فإذا تقرر أن للعبد مشيئة وإرادة، بها يختار ويكتسب عمله، وبها يستحق أن يحمد أو يذم، وعليها يكون الثواب أو العقاب ـ زال إشكال السائل ، فالله خالق للعبد وإرادته، والعبد فاعل لفعله حقيقة، وعليه يجازى ويحاسب، ويمدح ويذم.
والله أعلم.