السؤال
كنت محافظا على الصلوات الخمس, وصيام رمضان, والعمرة مع الأهل إذا هم سافروا لذلك, ولم يكن لدي - وأنا أفعل تلك الأمور - التصور الكامل بأن هذا عبادة لله, وأن الله يراقبني فيها كما في غيرها من الأوقات, ولم أكن أقرأ كثيرا عن الدين, ثم حدث لي أمر غيرني؛ بحيث صرت أهتم لذلك, وقرأت كثيرا, ووجدت راحة أكثر مع الدين, وبقيت لدي بعض التساؤلات حول التباين الذي حصل في حياتي بين الوقتين, فعندما قرأت عن قصص بعض السلف حين كان يجد أثر الذنب في خلق دابته وغيره صرت أتساءل كيف كان ذلك يحدث قبل وأنا لم أشعر, كما أن لابن القيم كلاما حول أثر المعاصي على ما يستقبل من حياة العبد, فكنت أتساءل أيضا: كيف مضت 25 سنة من عمري وأحداث كثيرة تحصل لي بسبب الذنوب بينما لم أعرف ذلك, فكيف لي أن أزيل هذا التصور أو هذه الشبهة؟ حيث إنها المؤرق الوحيد الذي يمنعني من المواصلة في الارتقاء بالدين.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاحمد الله الذي من عليك بالهداية، ثم اعلم أن طاعاتك التي تقربت إلى الله تعالى بها من صلاة وصوم واعتمار وغير ذلك مقبولة - إن شاء الله - وأنك مثاب عليها, وإن كان حظك من الخشوع واستحضار اطلاع الله عليك ليس بالكبير، ما دمت قد تقربت بهذه الطاعات إلى الله مريدا ثوابه مبتغيا وجهه سبحانه, لا رياء ولا سمعة, كما هو الشأن في المسلم.
ثم اعلم أن المعاصي ولا شك سبب من أعظم أسباب زوال النعم وحلول النقم, ونزول البلايا والمصائب، يقول ابن القيم - رحمه الله -: ومن عقوبات الذنوب: أنها تزيل النعم، وتحل النقم، فما زالت عن العبد نعمة إلا بذنب، ولا حلت به نقمة إلا بذنب، كما قال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: ما نزل بلاء إلا بذنب، ولا رفع إلا بتوبة, وقد قال تعالى: {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير} [سورة الشورى:30], وقال تعالى: {ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم} [سورة الأنفال:53], فأخبر الله تعالى أنه لا يغير نعمه التي أنعم بها على أحد حتى يكون هو الذي يغير ما بنفسه، فيغير طاعة الله بمعصيته، وشكره بكفره، وأسباب رضاه بأسباب سخطه، فإذا غير غير عليه، جزاء وفاقا، وما ربك بظلام للعبيد, فإن غير المعصية بالطاعة، غير الله عليه العقوبة بالعافية، والذل بالعز, وقال تعالى: {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له وما لهم من دونه من وال} [سورة الرعد:11], وفي بعض الآثار الإلهية، عن الرب تبارك وتعالى أنه قال:وعزتي وجلالي، لا يكون عبد من عبيدي على ما أحب، ثم ينتقل عنه إلى ما أكره، إلا انتقلت له مما يحب إلى ما يكره، ولا يكون عبد من عبيدي على ما أكره، فينتقل عنه إلى ما أحب، إلا انتقلت له مما يكره إلى ما يحب, وقد أحسن القائل:
إذا كنت في نعمة فارعها ... فإن الذنوب تزيل النعم. انتهى. .
وإذا استمر العبد في معصيته ولم يتفطن لآثار ذنوبه فإن الله تعالى قد يعاقبه بأن يطبع على قلبه, فلا يعي ولا يفهم، فتصيبه المصيبة وتزول, ولا يفكر لأي سبب نزلت به, ولا يعمل من ثم على إزالة تلك الأسباب؛ كما ورد في الحديث: إن المؤمن إذا أصابه السقم، ثم أعفاه الله منه، كان كفارة لما مضى من ذنوبه، وموعظة له فيما يستقبل، وإن المنافق إذا مرض، ثم أعفي كان كالبعير عقله أهله، ثم أرسلوه فلم يدر لم عقلوه، ولم يدر لم أرسلوه. رواه أبو داود.
وقد يتمادى العبد في المعصية حتى يعاقبه الله بإمهاله واستدراجه, فيمده في طغيانه, ويذره في غيه؛ حتى إذا أخذه كان أخذه أليما شديدا، قال تعالى: فذرني ومن يكذب بهذا الحديث سنستدرجهم من حيث لا يعلمون * وأملي لهم إن كيدي متين {القلم:44- 45}، وقال سبحانه: فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون {الأنعام:44}.
والله أعلم.