السؤال
ما حكم من خاف عندما سمع أن أحد الكهنة أخبر بموته في يوم كذا دون اعتقاد بأن هذا الكاهن يعلم الغيب، بل اعتقادا بأن أحد الجن استرق السمع وأوحى له بذلك، وكل هذا بدون زيارة هذا الكاهن ولكن بمجرد النقل عن بعض الناس؟.
ما حكم من خاف عندما سمع أن أحد الكهنة أخبر بموته في يوم كذا دون اعتقاد بأن هذا الكاهن يعلم الغيب، بل اعتقادا بأن أحد الجن استرق السمع وأوحى له بذلك، وكل هذا بدون زيارة هذا الكاهن ولكن بمجرد النقل عن بعض الناس؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالموت مصيبة كما قال الله تعالى: فأصابتكم مصيبة الموت {المائدة:106}.
وبالتالي، فالخوف منه يعتبر من الخوف الطبيعي، وأما اعتقادك أن الجن قد يخبرون الكاهن بما قال، فإن الكاهن لا يصدق في خبره، فقد كان الجن قبل مبعث رسولنا صلى الله عليه وسلم يسترقون السمع من السماء، فيلقون ما يسمعون إلى أتباعهم من الكهنة، فلما بعث الله تعالى نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم حفظ السماء من الشياطين، وجعل عقاب من يحاول ذلك منهم إرسال الشهب عليه لتحرقه، كما قال تعالى حكاية عنهم: وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا {الجـن:8ـ 9}.
وقال تعالى: إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب وحفظا من كل شيطان مارد لا يسمعون إلى الملإ الأعلى ويقذفون من كل جانب دحورا ولهم عذاب واصب إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب {الصافات:6ـ10}.
وهذا الحفظ مستمر في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وبعد وفاته، قال القرطبي في تفسيره: واختلف هل كان هذا القذف قبل المبعث، أو بعده لأجل المبعث، على قولين، وجاءت الأحاديث بذلك على ما يأتي من ذكرها في سورة الجن عن ابن عباس، وقد يمكن الجمع بينهما أن يقال: إن الذين قالوا لم تكن الشياطين ترمى بالنجوم قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم ثم رميت أي لم تكن ترمى رميا يقطعها عن السمع، ولكنها كانت ترمى وقتا ولا ترمى وقتا، وترمى من جانب ولا ترمى من جانب، ولعل الإشارة بقوله تعالى: ويقذفون من كل جانب دحورا ولهم عذاب واصب ـ إلى هذا المعنى، وهو أنهم كانوا لا يقذفون إلا من بعض الجوانب فصاروا يرمون واصبا، وإنما كانوا من قبل كالمتجسسة من الإنس، يبلغ الواحد منهم حاجته ولا يبلغها غيره ويسلم واحد ولا يسلم غيره، بل يقبض عليه ويعاقب وينكل، فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم زيد في حفظ السماء، وأعدت لهم شهب لم تكن من قبل، ليدحروا عن جميع جوانب السماء، ولا يقروا في مقعد من المقاعد التي كانت لهم منها، فصاروا لا يقدرون على سماع شيء مما يجري فيها، إلا أن يختطف أحد منهم بخفة حركته خطفة، فيتبعه شهاب ثاقب قبل أن ينزل إلى الأرض فيلقيها إلى إخوانه فيحرقه، فبطلت من ذلك الكهانة وحصلت الرسالة والنبوة، فإن قيل: إن هذا القذف إن كان لأجل النبوة فلم دام بعد النبي صلى الله عليه وسلم؟ فالجواب: أنه دام بدوام النبوة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر ببطلان الكهانة، فقال: ليس منا من تكهن ـ فلو لم تحرس بعد موته لعادت الجن إلى تسمعها، وعادت الكهانة، ولا يجوز ذلك بعد أن بطل، ولأن قطع الحراسة عن السماء إذا وقع لأجل النبوة فعادت الكهانة دخلت الشبهة على ضعفاء المسلمين، ولم يؤمن أن يظنوا أن الكهانة إنما عادت لتناهي النبوة، فصح أن الحكمة تقضي دوام الحراسة في حياة النبي عليه السلام، وبعد أن توفاه الله إلى كرامته صلى الله عليه وعلى آله. اهـ.
والله أعلم.