السؤال
أفيدوني جزاكم الله خيرا.
هل الذي يصلي، ويقرأ القرآن، والحمد لله اهتدى وتاب، يفتن في قبره، ومن الممكن أن لا يجيب سؤال منكر ونكير. مع العلم أني موسوس وأخاف أن أفتن أيضا قبل موتي؟
عندما يأتي الشيطان ويقول: كن نصرانيا وأنجيك، وأعيدك للحياة، وأخاف أيضا أن لا أنطق الشهادتين قبل الموت؛ لأني موسوس.
طبعا والحمد لله صلواتي جماعة، وأؤدي النوافل، وأنا خائف من هذه الفتن؛ لأني موسوس.
فهل لأنني موسوس إيماني ضعيف، ومن الممكن أن أفتن قبل موتي خاصة ؟
وجزاكم الله كل الخير.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن فتنة القبر حق، والمراد بها سؤال العبد عن ربه، ودينه، ونبيه، وهذه الفتنة تعم المؤمن وغيره، إلا من اسثنته النصوص كالشهيد، لكن من مات على الإيمان فإن الله سبحانه يثبته عند السؤال، كما أخرج مسلم في صحيحه عن البراء بن عازب، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة {إبراهيم:27}. " قال: " نزلت في عذاب القبر، فيقال له: من ربك؟ فيقول: ربي الله، ونبيي محمد صلى الله عليه وسلم، فذلك قوله عز وجل: يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة. {إبراهيم:27}.
والخوف من الله عبادة من أجل العبادات القلبية، والمؤمن لا يفارقه الخوف ما دامت أنفاسه تتردد في جوفه حتى يتوفاه الله على الإسلام، ومن أرفع مقامات الخوف: خوف الفتنة في الدين، وسوء الخاتمة. لكن الخوف إذا بلغ بالعبد إلى القنوط واليأس، فهو خوف غير محمود .
قال الغزالي: اعلم أن الخوف محمود، وربما يظن أن كل ما هو خوف محمود، فكل ما كان أقوى وأكثر كان أحمد، وهو غلط، بل الخوف سوط الله يسوق به عباده إلى المواظبة على العلم والعمل، لينالوا بهما رتبة القرب من الله تعالى، والأصلح للبهيمة أن لا تخلو عن سوط، وكذا الصبي، ولكن ذلك لا يدل على أن المبالغة في الضرب محمودة، وكذلك الخوف له قصور، وله إفراط، وله اعتدال، والمحمود هو الاعتدال والوسط ... وأما المفرط فإنه الذي يقوى ويجاوز حد الاعتدال حتى يخرج إلى اليأس والقنوط، وهو مذموم أيضا؛ لأنه يمنع من العمل، وقد يخرج الخوف أيضا إلى المرض والضعف، وإلى الوله والدهشة وزوال العقل، فالمراد من الخوف ما هو المراد من السوط، وهو الحمل على العمل، ولولاه لما كان الخوف كمالا، لأنه بالحقيقة نقصان؛ لأن منشأه الجهل والعجز. اهـ .
واعلم أن كراهة وساوس الكفر، ونفور القلب منها مئنة إيمان، كما جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة أنه قال : جاء ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه: إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به؟ قال: وقد وجدتموه؟ قالوا: نعم، قال: ذاك صريح الإيمان. رواه مسلم.
قال النووي: معناه: استعظامكم الكلام به هو صريح الإيمان، فإن استعظام هذا وشدة الخوف منه ومن النطق به، فضلا عن اعتقاده إنما يكون لمن استكمل الإيمان استكمالا محققا وانتفت عنه الريبة والشكوك. اهـ.
وانظر للفائدة الفتوى رقم: 123135 .
والوسوسة لا تقتضي ضعف إيمان المصاب بها، فهي بلاء ومرض كسائر الأمراض .
وانظر في علاجها الفتوى رقم: 1406، والفتوى رقم:3086
والله أعلم.