السؤال
أنا سيدة كنت مطلقة ولدي ثلاثة أطفال شاء الله أن أتزوج مرة أخرى ـ والحمدلله ـ كان زوجي هداه الله يعدني ويردد علي بأنه سوف يعدل بيني وبين زوجته الأولى وهي على علم بزواجه مني، واستمر قرابة الشهرين يأتي للمبيت ليلا فقط ويقضي كل أوقاته في بيته الأول وعندما يكون يومي فإنه يقضي نصفه عند زوجته الأولى متعذرا بأطفاله الذين يبلغون فوق 16 سنة، وأما الآن بعد أن اختار الله تعالى أخي وولي أمري في الدنيا إلى جواره ـ رحمه الله ـ وأصبحت حاملا من زوجي أصبح يهجرني من غير سبب مما أضر بي وأساء لي كثيرا وعندما أتحدث إليه يتعذر ويبرر بأولاده وظروفه، ساءت نفسيتي كثيرا، لأنه أساء إلي وجعل الناس ينظرون إلي بنظرة الشفقة وكأنني تزوجت مسيارا لا زواجا شرعيا، وسؤالي: ماذا أفعل؟ وكيف أحافظ على حقوقي؟ علما بأن زواجي منه كان بعلم العائلتين على أن يكون زواجا طبيعيا وأن يعدل بيننا، جرحني هجره كثيرا وخيانته للعهد والميثاق الغليظ الذي جمعنا على سنة الله ورسوله، إنني أتجرع مرارة الألم والحرمان لأنني لم أقبل الزواج إلا لأعف نفسي وأصونها عن كل ما يريب إلا أنني وجدت نفسي مع زوج ظلمني وهجرني بلا سبب فكيف ينام قرير العين عند واحدة وهو يعلم علم اليقين بأنه تعد على حق الثانية؟ أرجو منكم مساعدتي، فما جزاؤه في الدنيا؟ وما ذنبي أن أعيش بحسرة بينما أراه مع زوجته وعياله؟ انصحوا هؤلاء الشباب بأننا بنات ناس لا ذنب لنا، فلماذا يقدمون على الزواج إن لم يكونوا أهلا له؟ أخاف كما هجرني بلا سبب وتعمد الإساءة إلي أن يهجر فيما بعد طفله الذي في أحشائي وأنا لا حول لي ولا قوة إلا بالله، في انتظار ردكم على ما يعينني، وجزاكم الله عني كل خير.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه يجب على الزوج العدل بين زوجاته، ومن الكبائر تفضيل إحدى الزوجتين على الأخرى فيما يجب العدل فيه، قال الهيتمي في كتابه الزواجر عن اقتراف الكبائر: الكبيرة الثالثة والسبعون بعد المائتين: ترجيح إحدى الزوجات على الأخرى ظلما وعدوانا، أخرج الترمذي وتكلم فيه، والحاكم وصححه على شرطهما عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من كانت عنده امرأتان فلم يعدل بينهما جاء يوم القيامة وشقه ساقط ـ وأبو داود: من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل ـ والنسائي: من كانت له امرأتان يميل إلى إحداهما على الأخرى جاء يوم القيامة وأحد شقيه مائل ـ وفي رواية لابن ماجه وابن حبان في صحيحيهما: وأحد شقيه ساقط ـ والمراد بقوله فمال وقوله يميل: الميل بظاهره بأن يرجح إحداهما في الأمور الظاهرة التي حرم الشارع الترجيح فيها. اهـ.
وهذه هي العقوبة الأخروية لمن مال إلى أحدى الزوجتين، ولا نعلم له عقوبة خاصة في الدنيا، إلا أن مثل هذا الفعل من الظلم والظالم حري أن تعجل عقوبته في الدنيا، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ما من ذنب أجدر أن يعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم. رواه الترمذي، وقال: حسن صحيح ـ وأبو داود وابن ماجه وأحمد، وصححه الألباني.
ولا يجوز للزوج أن يدخل على زوجة في نوبة غيرها دون مسوغ، جاء في الإقناع وشرحه: ويحرم على من تحته أكثر من زوجة دخوله في ليلتها ـ أي ليلة إحدى الزوجات ـ إلى غيرها، لأنه ترك الواجب عليه، إلا لضرورة مثل أن تكون غير ذات الليلة منزولا بها أي محتضرة فيريد أن يحضرها أو توصي إليه أو ما لا بد منه عرفا، لأن ذلك حال ضرورة فأبيح به ترك الواجب لإمكان قضائه في وقت آخر، فإن لم يلبث عندها لم يقض شيئا، لأنه لا فائدة فيه لقلته، وإن لبث عندها أو جامع لزمه أن يقضي لها مثل ذلك من حق الأخرى، لأن التسوية واجبة ولا تحصل إلا بذلك، ولو قبل التي دخل إليها في غير ليلتها، أو باشرها أو نحوه، كما لو نظر إليها بشهوة لم يقض ذلك لذات الليلة، لقول عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل علي في يوم غيري فينال مني كل شيء إلا الجماع ـ والعدل القضاء، لتحصل التسوية بينهن، وكذا يحرم دخوله نهارا إلى غيرها إلا لحاجة، قال في المغني والشرح: كدفع نفقة وعيادة أو سؤال عن أمر يحتاج إلى معرفته أو زيارتها لبعد عهده بها. اهـ.
ولمزيد فائدة راجعي الفتوى رقم: 110761.
وهجر الزوج للزوجة دون سبب شرعي ظلم لها، وهو من مسوغات طلب الطلاق، قال الدردير في الشرح الكبير: ولها ـ أي للزوجة ـ التطليق بالضرر، وهو ما لا يجوز شرعا، كهجرها بلا موجب شرعي. اهـ.
فعليك أن تذكري زوجك بما أوجب الله عليه من العدل وأداء حقوق الزوجية، فإن لم يستجب فلك أن ترفعي أمرك إلى القضاء الشرعي ليرفع عنك هذا الضرر، إما بإجبار الزوج على العدل وعدم الهجر دون مسوغ، وإما أن يفرق بينكما، وانظري للفائدة الفتاوى التالية أرقامها: 174091، 49507، 137106، 120012، 79889، 48573.
والله أعلم.