السؤال
أود السؤال عن البلاء أو المصائب التي تصيب العباد هل هي دليل على ارتكاب الذنوب؟ ما نزلت عقوبة إلا بذنب ولا رفعت إلا بتوبة، إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه، ولا يرد القدر إلا الدعاء، ولا يزيد العمر إلا البر ـ أم هي دليل على قرب درجة إيماننا بإيمان النبي محمد عليه أفضل الصلاة والسلام: أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل؟ وما هو حالنا من قوله تعالى: ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين؟ وهل حال المؤمنين دائما البلاء؟ أود التوضيح جزاكم الله الخير فقد وقع في قلبي شك على وجود تناقض بين الأمرين؟ وهذا ما يظهر لي لقلة علمي، أفيدونا أفادكم الله.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ما يصيب العبد في هذه الحياة من المصائب والبلاء.. ليس دليلا ـ بالضرورة ـ على ارتكابه للمعاصي أو العقاب عليها، ولا هي دليل على رفع درجته وقوة إيمانه فقط، فقد تكون لهذا وذاك ولغيرهما من الحكم التي يعلمها الله تبارك وتعالى، فقد تكون عقابا على ارتكاب المعاصي والتقصير في العبادة.. كما جاء في قول الله تعالى: وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير {الشورى:30}.
وقد تكون امتحانا واختبارا، كما في قوله تعالى: أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين {العنكبوت: 2ـ3}.
وفي قوله تعالى: ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون {الأنبياء:35}.
وقد تكون تكفيرا للذنوب ورفعا للدرجات، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل... فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة. رواه البخاري.
ولذلك، فإنه لا وجود لتناقض بين النصوص التي ذكرت، وانظر الفتويين رقم: 131377، ورقم: 95275.
وما ينبغي أن يكون عليه حال المؤمنين مع قول الله تعالى: ولنبلونكم بشيء من الخوف.. هو حال الصابرين الذين بشرهم الله تعالى بما بشرهم به في ختام الآية، ففي صحيح البخاري: قال عمر رضي الله عنه: نعم العدلان ونعم العلاوة: الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون.
قال القرطبي: أراد بالعدلين الصلاة والرحمة.. وبالعلاوة الاهتداء، قيل: إلى استحقاق الثواب وإجزال الأجر، وقيل: إلى تسهيل المصائب وتخفيف الحزن.
فعلى العبد أن يعلم أن كل ما يجري عليه في هذه الدنيا إنما هو بقدر من أقدار الله التي كتبها قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، والتي يجريها على عباده بحكمته البالغة ورحمته الواسعة، وهو مأجور عليها ـ بإذن الله ـ إذا صبر واحتسب، ومأزور إذا جزع وسخط، فمن رضي فله الرضى، ومن سخط فله السخط.
والله أعلم.