0 441

السؤال

هل للقلب سجود؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فقد ذكر العلماء أن للقلب سجودا، ولكنه ليس حسيا مشاهدا، بل هو معنوي، وهو عبارة عن الذل والانكسار الذي يحصل للعبد حينما يستكثر نعمة الله على نفسه، ويرى أنه ليس لها أهلا لكثرة ذنوبه، وقلة عمله الصالح، وممن ذكر ذلك ابن القيم -رحمه الله- في مدارج السالكين، فقال: المشهد الثاني عشر، وهو مشهد الذل، والانكسار والخضوع والافتقار للرب جل جلاله، فيشهد في كل ذرة من ذراته الباطنة والظاهرة ضرورة تامة، وافتقارا تاما إلى ربه ووليه، ومن بيده صلاحه وفلاحه وهداه وسعادته، وهذه الحال التي تحصل لقلبه لا تنال العبارة حقيقتها، وإنما تدرك بالحصول، فيحصل لقلبه كسرة خاصة لا يشبهها شيء، بحيث يرى نفسه كالإناء المرضوض تحت الأرجل الذي لا شيء فيه ولا به ولا منه، ولا فيه منفعة، ولا يرغب في مثله، وأنه لا يصلح للانتفاع إلا بجبر جديد من صانعه وقيمه، فحينئذ يستكثر في هذا المشهد ما من ربه إليه من الخير، ويرى أنه لا يستحق قليلا منه، ولا كثيرا، فأي خير ناله من الله استكثره على نفسه، وعلم أن قدره دونه، وأن رحمة ربه هي التي اقتضت ذكره به، وسياقته إليه، واستقل ما من نفسه من الطاعات لربه، ورآها ولو ساوت طاعات الثقلين من أقل ما ينبغي لربه عليه، واستكثر قليل معاصيه وذنوبه، فإن الكسرة التي حصلت لقلبه أوجبت له هذا كله، فما أقرب الجبر من هذا القلب المكسور، وما أدنى النصر والرحمة والرزق منه، وما أنفع هذا المشهد له وأجداه عليه، وذرة من هذا ونفس منه أحب إلى الله من طاعات أمثال الجبال من المدلين المعجبين بأعمالهم وعلومهم وأحوالهم، وأحب القلوب إلى الله سبحانه قلب قد تمكنت منه هذه الكسرة وملكته هذه الذلة، فهو ناكس الرأس بين يدي ربه لا يرفع رأسه إليه حياء وخجلا من الله.
قيل لبعض العارفين أيسجد القلب؟ قال: نعم، يسجد سجدة لا يرفع رأسه منها إلى يوم اللقاء، فهذا سجود القلب، فقلب لا تباشره هذه الكسرة فهو غير ساجد السجود المراد منه إذا سجد القلب لله هذه السجدة العظمى سجدت معه جميع الجوارح، وعنا الوجه حينئذ للحي القيوم، وخشع الصوت والجوارح كلها، وذل العبد وخضع واستكان، ووضع خده على عتبة العبودية ناظرا بقلبه إلى ربه ووليه نظر الذليل إلى العزيز الرحيم، فلا يرى إلا متملقا لربه خاضعا له ذليلا مستعطفا له يسأله عطفه ورحمته، فهو يترضى به كما يترضى المحب الكامل المحبة محبوبه المالك له الذي لا غنى له عنه، ولابد له منه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات