من أحكام الوقف والابتداء في القرآن الكريم

0 344

السؤال

هل هناك آيات في القرآن الكريم لا يجوز الابتداء بها في القراءة؟ مع التقدير.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن الابتداء بقراءة القرآن لا ينبغي أن يكون إلا من بداية كلام مستقل غير مرتبط بما قبله، ولا يغتفر في الابتداء ما يغتفر في الوقف، لأن المبتدئ مختار، وقاعدة ذلك أن كلما لا يجوز الوقف قبله لا يجوز الابتداء به، وكلما يجوز الوقف قبله يجوز الابتداء به، كما نقل السيوطي في الإتقان عن ابن الجزري، حيث قال: كل ما أجازوا الوقف عليه أجازوا الابتداء بما بعده.

وقد قسم علماء التجويد الابتداء إلى نوعين: جائز، وغير جائز، فالجائز: ما كان بكلام مستقل وغير مرتبط بما قبله، وبأوائل السور والأجزاء والأحزاب والأثمان والآيات.. وغير الجائز: هو القبيح مثل أن يبدأ القارئ بجملة أو كلمة تؤدي إلى معنى فاسد غير ما أراده الله تبارك وتعالى، ومثال ذلك كلمة: اتخذ الله ولدا، ويد الله مغلولة، وإن الله فقير.. فهذه وأمثالها لا يجوز الابتداء بها، جاء في هداية القارئ للمرصفي: ويطلب من القارئ حال الابتداء ما يطلب منه حال الوقف، فلا يكون الابتداء إلا بكلام مستقل موف بالمقصود غير مرتبط بما قبله.
والمقصود بالجائز والواجب والممنوع.. هنا ـ عند القراء ـ الواجب الصناعي والممنوع الصناعي، ولا يريدون به أنه واجب يأثم القارئ بتركه، أو حرام يأثم بفعله، إلا إذا قصد القارئ المعنى فيكون آثما، جاء في الموسوعة الفقهية نقلا عن ابن غازي: لا يجب على القارئ الوقف على محل معين بحيث لو تركه يأثم، ولا يحرم الوقف على كلمة بعينها إلا إذا كانت موهمة وقصدها، فإن اعتقد المعنى الموهم للكفر كفر ـ والعياذ بالله ـ كأن وقف على قوله تعالى: إن الله لا يستحي، دون قوله: أن يضرب مثلا ما، أو على قوله: وما من إله، دون إلا الله، أما قول علماء القراءة: الوقف على هذا واجب، أو لازم، أو حرام، أو لا يحل، أو نحو ذلك من الألفاظ الدالة على الوجوب أو التحريم، فلا يراد منه ما هو مقرر عند الفقهاء، مما يثاب على فعله ويعاقب على تركه.
وجاء في هداية القاري: ما قاله أئمتنا من أنه لا يجوز الوقف على كلمة كذا وكذا، إنما يريدون بذلك الوقف الاختياري بالياء المثناة تحت الذي يحسن في القراءة ويروق في التلاوة، ولا يريدون به أنه حرام أو مكروه، إذ ليس في القرآن الكريم وقف واجب يأثم القارئ بتركه أو حرام يأثم القارئ بفعله، لأن الوصل والوقف لا يدلان على معنى حتى يختل بذهابهما، وإنما يتصف الوقف بالحرمة إذا كان هناك سبب يؤدي إليها، فيحرم حينئذ، كأن قصد القارئ الوقف من غير ضرورة على لفظ: إله، أو على لفظ: لا يستحي، أو على لفظ: لا يهدي، في قوله تعالى: وما من إلـه إلا إلـه واحد، والله لا يستحيي من الحق، والله لا يهدي القوم الفاسقين ـ وما شابه ذلك.. إذ لا يفعل ذلك مسلم قلبه مطمئن بالإيمان، وفي هذا المقام يقول الحافظ ابن الجزري في المقدمة الجزرية:

وليس في القرآن من وقف وجب     ولا حرام غير ما له سبب. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة