السؤال
أريد أن أعرف كيف يغفر الله لجميع الناس إلا المشركين, والرسول يقول: كل أمتي معافى إلا المجاهرين.
أريد أن أعرف كيف يغفر الله لجميع الناس إلا المشركين, والرسول يقول: كل أمتي معافى إلا المجاهرين.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله تعالى قال في كتابه: إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما {النساء:48}، وقال: إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالا بعيدا {النساء:116}، ولم يطلق الله مغفرة غير الشرك كما فهمته طائفة من الناس، بل قيد ذلك بالمشيئة، فمن لم يشرك بالله ومات مؤمنا بالله ورسوله يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فإن شاء الله غفر له سائر ذنوبه متفضلا عليه، وإن شاء عذبه على ذنوبه أو بعضها وهو غير ظالم له, كما روى أبو داود، وأحمد، والحاكم في المستدرك، وغيرهم، من حديث ابن عباس، وعبادة بن الصامت، وزيد بن ثابت، عن النبي صلى الله عليه وسلم: لو أن الله عذب أهل سماواته وأهل أرضه، لعذبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم كانت رحمته خيرا لهم من أعمالهم. وقال تعالى في الحديث القدسي الذي رواه مسلم: يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما.
ومن أدخله الله من أولئك المذنبين الجنة فبرحمته وفضله، بل صالح المؤمنين كذلك، بل سيد ولد آدم النبي صلى الله عليه وسلم يدخلها برحمة الله وفضله، وإنما العمل سبب لنيل رحمة الله عز وجل، كما في الصحيحين: لن يدخل أحدا عمله الجنة، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: لا، ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله بفضل ورحمة، فسددوا وقاربوا.
وأما حديث المجاهرين فقد رواه البخاري ومسلم - واللفظ للبخاري - عن سالم بن عبد الله قال سمعت أبا هريرة يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كل أمتي معافى إلا المجاهرين, وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملا ثم يصبح وقد ستره الله عليه, فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا وكذا, وقد بات يستره ربه, ويصبح يكشف ستر الله عنه.
قال ابن حجر في الفتح: قال ابن بطال : في الجهر بالمعصية استخفاف بحق الله ورسوله وبصالحي المؤمنين، وفيه ضرب من العناد لهم، وفي الستر بها السلامة من الاستخفاف؛ لأن المعاصي تذل أهلها، ومن إقامة الحد عليه إن كان فيه حد، ومن التعزير إن لم يوجب حدا ، وإذا تمحض حق الله فهو أكرم الأكرمين, ورحمته سبقت غضبه، فلذلك إذا ستره في الدنيا لم يفضحه في الآخرة، والذي يجاهر يفوته جميع ذلك، وبهذا يعرف موقع إيراد حديث النجوى عقب حديث الباب. اهـ
فالآية تخرج من مات مشركا، وتبقي من مات موحدا تحت مشيئة الله تعالى، والحديث في أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فالمستتر منهم على نفسه ترجى له الرحمة رجاء شديدا، والمجاهر يخشى عليه التعذيب خشية شديدة، فلا يعافى يوم القيامة، ولو بمناقشة الله إياه الحساب، كما روى البخاري ومسلم - واللفظ له - عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من حوسب يوم القيامة عذب، فقلت: أليس قد قال الله عز وجل {فسوف يحاسب حسابا يسيرا}؟ فقال: ليس ذاك الحساب، إنما ذاك العرض، من نوقش الحساب يوم القيامة عذب.
فمجاهرة العبد بمعصيته سبب لهلاكه يوم القيامة, وعدم مغفرة الله له، كما أن ستر المؤمن على نفسه سبب لأن ينال مغفرة الله عز وجل، وكان كلاهما بمشيئة الله عز وجل، كما قال تعالى: لله ما في السماوات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شيء قدير {البقرة:284}.
والله تعالى أعلم.