الترهيب من التقول على الله بخلاف شرعه وسبيل التوبة منه

0 248

السؤال

كنت في الماضي أقول بتحليل بعض الأعمال المحرمة, وأنا أقر بأن تلك الأعمال حرام, فمرة سألتني زميلتي عن الجلباب والستار, فقلت لها: إنه ليس بصحيح، ومرة لبست زميلتي ثيابا غير محتشمة, فعلقت عليها صديقتها بأنها رائعة, وعندما رأتها المعلمة نهتها, وقالت لها: انت تعينينها على الإثم, فسألتني: هل هذا صحيح؟ فقلت لها: لا، وغيرها, وقلتم لي: إن من تمام التوبة أن أخبرهن بالحقيقة, فماذا بخصوص الحالات التي لا أدري هل ارتكبت فيها هذا الذنب أم لا ماذا أفعل؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

 فإن التقول على الله في أحكامه بلا علم من أعظم الكبائر؛ لقوله تعالى: قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون {الأعراف:33}، وأعظم منه التقول على الله بخلاف حكمه مع العلم، فإن فيه نوعا من المكابرة والمعاندة، وهو من أعظم أسباب الردى وعدم الفلاح، قال تعالى: ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون {النحل:116}.

وقد نصحناك بالتوبة من ذلك، ومن تمام التوبة إخبارك زميلاتك بحقيقة الحكم وأنك كنت مخطئة، قال تعالى: إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم {البقرة:160}، فبين أن من تمام حصول التوبة الإصلاح والتبيين؛ لئلا يحملوا أوزار الذين أضلوهم, قال الله: ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون {النحل:25}، وفي الحديث: ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعمل بها بعده كتب عليه مثل وزر من عمل بها ولا ينقص من أوزارهم شيء، قال الإمام النووي في شرح الحديث: من دعا إلى هدى كان له مثل أجور متابعيه، أو إلى ضلالة كان عليه مثل آثام تابعيه، سواء كان ذلك الهدى والضلالة هو الذي ابتدأه، أم كان مسبوقا إليه، وسواء كان ذلك تعليم علم، أو عبادة، أو أدب، أو غير ذلك.  وقال في موضع آخر: فيه الحث على الابتداء بالخيرات, وسن السنن الحسنات، والتحذير من اختراع الأباطيل والمستقبحات.
ولا يمنعنك الحياء من الناس الاعتراف بالخطأ، بإلجام لسانك عن قول الحق، ولا تأخذنك في الله لومة لائم، قال تعالى: المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون أيديهم نسوا الله فنسيهم إن المنافقين هم الفاسقون {التوبة:67}، ثم قال: والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم {التوبة:71}،  وفي مسند الإمام أحمد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا يحقرن أحدكم نفسه إذا رأى أمرا لله فيه مقال أن يقول فيه, فيقال له يوم القيامة: ما منعك أن تقول فيه, فيقول: رب خشيت الناس, قال: فأنا أحق أن تخشى. وفي حديث المبايعة عن عبادة بن الصامت: وأن نقوم أو نقول بالحق حيثما كنا, لا نخاف في الله لومة لائم. رواه البخاري.

ولا يلزم إخبارهن بأنك كنت تتعمدين الكذب في ذلك، بل استري على نفسك، وبيني الحق فحسب، وأنك كنت مخطئة فيما قلت.

أما من نسيتهن, أو الحالات التي لا تتذكرينها فلا حرج عليك فيها - إن شاء الله - ما دمت قد تبت وفعلت من التبيين ما بوسعك، فإن الله واسع الرحمة، كما قال: ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون {الأعراف:156}، وقد أمر بتقواه بقدر الاستطاعة فقال: فاتقوا الله ما استطعتم {التغابن:16}، ونفى تكليفه ما لا تسعه النفس فقال: لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت {البقرة:286}.

والله تعالى أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة