الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن التسمية تشرع في بداية كل أمر ذي بال - كما هو معلوم عند المسلم - لما رواه الدارقطني وغيره مرفوعا: كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بذكر الله أقطع. وفي رواية: ".. لا يبدأ فيه ببسم الله .." والحديث تكلم أهل العلم في سنده.
وإذا تناول المسلم أنواعا من الطعام في وقت واحد, فقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في الاكتفاء بالتسمية الأولى احتمالين, وظاهر كلامه أن التسمية ثانيا أفضل, فقد قال - رحمه الله تعالى - في معرض كلامه على البسملة بين السورتين: والقراء منهم من يفصل بها بين السورتين, ومنهم من لا يفصل؛ لكون القرآن كله كلام الله, فلا يفصلون بها بين السورتين, كمن سمى إذا أكل ثم أكل أنواعا من الطعام, ومنهم من يسمي في أول كل سورة, وهذا أحسن لمتابعته لخط المصحف, وهو بمنزلة رفع طعام ووضع طعام فالتسمية عنده أفضل ... اهـ
وعليه, فإذا كنت تجمع بين تناول الأكل والشرب في الوقت نفسه فتكفيك تسمية واحدة, ولو سميت عند الشاي ثانيا فهو أفضل لما ذكره شيخ الإسلام, ولأنه إذا كانت تشرع التسمية عند كل جرعة من الشراب المتناول في وقت واحد, فمن باب أولى أن تشرع في الشراب المتناول بعد الأكل أو أثناءه, قال السفاريني في شرح منظومة الآداب: وروى ابن عدي عن أنس - رضي الله عنه - أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم شرب جرعة, ثم قطع, ثم سمى, ثم جرع, ثم قطع, ثم سمى الثالثة, ثم جرع, ثم مضى فيه حتى فرغ منه, فلما شرب حمد الله تعالى عليه. وروى ابن عدي أيضا عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم شرب شرابا قط إلا تنفس فيه ثلاثا كلها يقول: بسم الله, والحمد لله} .. والطبراني عن أبي هريرة, وهو, والبزار عن ابن مسعود - رضي الله عنهما - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شرب بثلاثة أنفاس يسمي الله تعالى في أولها إذا أدنى الإناء من فيه ويحمده في آخرها إذا أخره}.
إذا علمت ذلك فينبغي لك الاقتداء بمعدن التقوى وينبوع الهدى, ولا تشرب كشرب البعير, بل تنفس خارج الإناء ثلاث مرات, هذا هو المستحب المسنون, وصفة ذلك كما قال الإمام المحقق: أن تقول بسم الله, وتشرب, ثم تبين الإناء عن فيك وتقول: الحمد لله, وتتنفس خارجه كما مر, ثم تفعل الثانية, والثالثة كذلك ... انتهى .
وقال المناوي في فيض القدير: كان يشرب ثلاثة أنفاس يسمي الله في أوله، ويحمد الله في آخره؛ أي يسميه في ابتداء الثلاث, ويحمده في انتهائها, ويحتمل أن المراد يسمي ويحمد في أول كل شربة وآخرها؛ ويؤيده ما في أوسط الطبراني قال ابن حجر: حسن، عن أبي هريرة أن المصطفى كان يشرب في ثلاثة أنفاس، إذا أدنى الإناء إلى فيه سمى الله، وإذا أخره حمد الله يفعل ذلك ثلاثا. وأصله في ابن ماجه.
والله أعلم.