السؤال
تشعر أن البعض في تويتر يستهزئ بالدين, فهل نحذر منه في العام, أم نترك الموضوع, فأنا أخاف إن حذرت منه أن تزداد شهرته لدى متابعيه أكثر من الذين يتابعهم, فما حكم لو دخلت إلى مقطع إنجليزي وشعرت فعلا أنه استهزاء بالدين فخرجت منه حالا, فهل آثم لأنهم إنجليز, ولن يفهموا ما أكتب؟ لذلك فضلت أن أخرج؛ لأني لا أعرف الإنجليزي إلا قليلا, والنكت التي تقول: إن محششا يريد أن يدخل الجنة أو النار فقال:
النار, واستغرب الناس, فقال: من المؤكد أن كل أصدقائي في النار, فهل هذا من الاستهزاء بالدين - جزاكم الله خيرا -؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان هذا الكاتب في تويتر من المسلمين، فالواجب نصيحته، إذ من الوارد ان يكون جاهلا بخطورة ما يتكلم به، وقد قال صلى الله عليه وسلم: وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا يهوي بها في جهنم. رواه البخاري. وظاهر كلامك أن ما تقرأينه قد لا يكون من صريح الاستهزاء أو الإهانة، وقد يكون الرجل من أشد الناس غيرة على الدين, ثم ينزلق في شيء من ذلك دون دراية ليستدعي ابتسامة غيره, قال تعالى: إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم {النور:15}، فأمثال هذا ينبغي تنبيهه ونصيحته، كما في الحديث عن تميم الداري: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الدين النصيحة، قلنا: لمن؟ قال: لله, ولكتابه, ولرسوله, ولأئمة المسلمين, وعامتهم. رواه مسلم، وبوب به البخاري ولم يخرجه، وأسند تحته حديث جرير بن عبد الله: بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة, وإيتاء الزكاة, والنصح لكل مسلم.
وينصح سرا لئلا تكون نصيحتك سببا في إصراره كبرا على ما قاله، كمن قال الله فيه: وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم {البقرة:206}. فإن النفس البشرية تنفر من قصدها بالنصح أمام الناس، وقد أحسن الشافعي - رحمه الله - حين قال حاكيا في ذلك:
تعمدني بنصحك في انفرادي وجنبني النصيحة في الجماعه
فإن النصح بين الناس نوع من التوبيخ لا أرضى استماعه
وإن خالفتني وعصيت قولي فلا تجزع إذا لم تعط طاعة
لكن إذا انتشر كلامه كان لا بد من الرد عليه إما مخاطبة له صراحة، وإما بكتابة تغريدة تنكرين فيها عموما على من يقول مثل ذلك، مطلقة عن ذكر الأسماء، والثاني أحسن - والله أعلم - اجتنابا لإشهاره - كما تفضلت - خاصة إذا كان هو ممن يصله ما كتبت, فتحصل له النصيحة دون مباشرة، وذلك كما قال الإمام مسلم - رحمه الله - في مقدمة صحيحه: الإعراض عن القول المطرح أحرى لإماتته وإخمال ذكر قائله, وأجدر أن لا يكون ذلك تنبيها للجهال عليه، غير أنا لما تخوفنا من شرور العواقب واغترار الجهلة بمحدثات الأمور وإسراعهم إلى اعتقاد خطأ المخطئين والأقوال الساقطة عند العلماء رأينا الكشف عن فساد قوله ورد مقالته بقدر ما يليق بها من الرد أجدى على الأنام وأحمد للعاقبة - إن شاء الله -. اهـ
وأما مخاطبة الكفار أهل اللغات الأخرى التي لا تجيدينها، فلا تطالبين بها، ولا تأثمين بتركها، وقد قال تعالى: فاتقوا الله ما استطعتم {التغابن:16}، وفي الصحيحين واللفظ للبخاري: فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه, وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم. وقد أحسنت بتركهم والخروج من عندهم، فهذا هو الواجب عليك في مثل هذا.
وأما التكلم بالنكت التي فيها استهزاء بالدين وشعائره، كالتهوين من شأن الجنة والنار والدار الآخرة، فهذا قد يصل إلى الكفر - والعياذ بالله -، كما أشرنا إلى نحو ذلك في بداية هذه الفتوى، وراجعي في ذلك الفتوى رقم: 48790 - أعاذنا الله وإياكم من الكفر والفسوق والعصيان -.
والله تعالى أعلم.