التزام السجود المجرد بعد الصلاة من البدع المحدثة

0 284

السؤال

جزاكم الله خيرا على ما تبذلونه في خدمة الدين والمذهب. عندي صديق من أهل السنة من عشيرة عراقية, وهؤلاء ملتزمون بقراءة القرآن بشكل عجيب - ما أنزل الله به من سلطان - وقد حاولت مرارا أن أبين لهم بدعية تلك الطريقة, فقال لي زميلي: أعطني فتوى من إسلام ويب وأنا سأقتنع بكلامك, فيوميا قبل صلاة الفجر يشترطون على أنفسهم قراءة حزب من القرآن الكريم، وبعد الفجر يقرؤون حزبا آخر, ومن ثم يسجدون سجدة تطول ربع ساعة - ولعلها أكثر - يشكرون الله سبحانه, وهكذا الحال قبل أذان الظهر وبعده, وقبل العصر وبعده، وكذا الحال قبل المغرب وبعده, وقبل أذان العشاء وبعده، وقبل النوم أيضا يسجدون شكرا لله من دون سبب, وقد أخبرت زميلي بأن هذه الطريقة لو كان فيها خير لفعلها النبي عليه السلام, ولفعلها السلف من الصحابة والتابعين - رضي الله عنهم أجمعين - أرجو أن تنصحوهم في الجواب؛ كي أوصله إليهم - هداني الله وإياهم -.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

 فإن العبادة يشترط لقبولها إخلاصها لله جل جلاله، وأن تكون موافقة لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وكل عبادة مبتدعة محدثة لم تأت في الشرع فهي مردودة على صاحبها مهما عظمت، جاء في الحديث: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد. متفق عليه، وفي لفظ آخر - علقه البخاري وأخرجه مسلم موصولا -: من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد.
قال الشيخ حافظ الحكمي في سلم الوصول:
شرط قبول السعي أن يجتمعا ... فيه إصابة وإخلاص معا

لله رب العرش لا سواه ... موافق الشرع الذي ارتضاه

ولا شك أن التزام السجود المجرد بعد الصلاة من البدع المحدثة، فإن التقرب بالسجود المجرد غير مشروع أصلا، فكيف إذا أضيف إلى ذلك المواظبة عليه عقب الصلوات؟

جاء في كتاب الباعث على إنكار البدع والحوادث لأبي شامة: الشريعة لم ترد بالتقرب إلى الله تعالى في السجود إلا في الصلاة, أو لسبب خاص في سهو, أو قراءة سجدة, وفي سجدة الشكر خلاف: استحبها الشافعي, وقال أحمد: لا بأس بها, وقال إسحق وأبو ثور هي سنة, وكره النخعي ذلك, وزعم أنه بدعة, وكره ذلك مالك, والنعمان ... قال أبو نصر الأرغباني: سجود الشكر سنة عند مفاجأة نعمة, واندفاع نقمة وبلية, ولا تستحب لدوام النعم, وقال صاحب التتمة: جرت عادة بعض الناس بالسجود بعد الفراغ من الصلاة يدعو فيه, قال: وتلك سجدة لا يعرف لها أصل, ولا نقلت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, ولا عن أصحابه, والأولى أن يدعو بالصلاة؛ لما روي من الأخبار فيه, والله أعلم. قلت: ولا يلزم من كون السجود قربة في الصلاة أن يكون قربة خارج الصلاة, كالركوع, قال الفقيه أبو محمد: لم ترد الشريعة بالتقرب إلى الله تعالى بسجدة منفردة لا سبب لها, فإن القرب لها أسباب وشرائط وأوقات وأركان لا تصلح بدونها, وكما لا يتقرب إلى الله تعالى بالوقوف بعرفة ومزدلفة ورمي الجمار والسعي بين الصفا والمروة من غير نسك واقع في وقته بأسبابه وشرائطه, فكذلك لا يتقرب إلى الله تعالى بسجدة منفردة, وإن كانت قربة إذا كان لها سبب صحيح .اهـ. بتصرف يسير.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: أنكر من هذا ما يفعله بعض الناس من أنه يسجد بعد السلام سجدة مفردة, فإن هذه بدعة, ولم ينقل عن أحد من الأئمة استحباب ذلك, والعبادات مبناها على الشرع والاتباع, لا على الهوى والابتداع; فإن الإسلام مبني على أصلين: أن لا نعبد إلا الله وحده, وأن نعبده بما شرعه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، لا نعبده بالأهواء والبدع .اهـ. 

فننصح أولئك الأخوة بالكف عن تلك البدعة، وأن يحرصوا على التقرب إلى الله بما شرعه رسوله صلى الله عليه وسلم، وفي العبادات الواردة في السنة غنية, وأي غنية عن البدع والمحدثات.

ومن أعظم الغبن أن يضني المرء نفسه في عبادة لا تقبل منه، بل تكون سببا لعذابه وبعده عن ربه, أخرج البيهقي في السنن الكبرى عن أبي رباح، عن سعيد بن المسيب أنه رأى رجلا يصلي بعد طلوع الفجر أكثر من ركعتين يكثر فيها الركوع، والسجود فنهاه، فقال: يا أبا محمد يعذبني الله على الصلاة؟ قال: "لا, ولكن يعذبك على خلاف السنة".
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة