السؤال
قرأت في الفتوى رقم: (173987)، أنكم لا تعتبرون الماء النازل في الدلو، أو السطل ماء جاريا قائلين: "وأما فتح الصنبور في السطل أو الدلو، وهل يعتبر الماء جاريا؟ فالذي نراه أنه لا يصدق عليه أنه ماء جار؛ لأنه وإن كان الماء يتدفق إليه إلا أنه يختلط بالماء الموجود فيه قبل أن يخرج، ولا يخرج من السطل إلا بعد الاختلاط", وأضفتم بعد ذلك في نفس الفتوى قائلين: "ذكر الفقهاء أن النجاسة إن كانت واقفة في جانب النهر، أو قراره، أو في وهدة منه، فكل جرية تمر عليها إن كانت دون القلتين فهي نجسة, وقرأت لكم أيضا في الفتوى رقم: (97136)، أنه إذا صب الماء على الثياب المتنجسة فإنها لا تطهر إذا كانت النجاسة عينية؛ لأن الماء يجتمع مع النجاسة فيها بعد صبه عليها, وقرأت أيضا كلام الإمام الشافعي في هذه المسألة الذي قال فيه: "فأما الماء الجاري: فإذا وقع فيه محرم من ميتة، أو دم، أو غير ذلك، فإن كان فيه ناحية يقف فيها الماء، فتلك الناحية منه خاصة ماء راكد ينجس" انتهى. وما فهمته من هذه الفتاوى أن الماء القليل حتى ولو كان جاريا، أو كان واردا على النجاسة، فإنه ينجس إذا كانت هناك ناحية يقف عندها هذا الماء، ومن ثم فلا يعد ماء جاريا، بل يعد ماء راكدا، وسؤالي هو:
عندما أغسل أسناني بالفرشاة، يخرج دم من اللثة، وهذا أمر اعتدت عليه، وكنت أتمضمض بالماء حتى يزول هذا الدم، ولكن قياسا على الفتاوى السابقة، فإن هذا الماء الذي أتمضمض به ماء قليل، وعندما يدخل إلى الفم سيختلط بالدم، أي: أنه سيختلط بالنجاسة، وسيصبح ماء راكدا، ولن يخرج من الفم إلا بعد الاختلاط بالدم، ومن ثم فهو نجس؛ لأنه ماء قليل قياسا على ما ذكرتموه أنتم في حالة الدلو، أو السطل عندما قلتم: "لا يصدق عليه أنه ماء جار؛ لأنه وإن كان الماء يتدفق إليه إلا أنه يختلط بالماء الموجود فيه قبل أن يخرج، ولا يخرج من السطل إلا بعد الاختلاط" فبالله عليكم أخبروني كيف أطهر فمي من الدم إذن، إذا كنتم لا تعتبرون هذا الماء جاريا؛ لأننا إذا لم نعتبره ماء جاريا فسيصدق عليه وصف الماء القليل الذي يخالط النجاسة، ومن ثم سيتنجس قبل أن يخرج من الفم، وسنحتاج إلى ماء آخر، سيحكم عليه أيضا بأنه متنجس لاختلاطه بالماء المتنجس المتبقي في الفم، وهلم جرا... والأمر ذاته ينطبق على تطهير الأذن من أي نجاسة دخلت فيها؛ لأن هذا الماء الجاري المستخدم في غسيل الأذن سيجد ناحية يقف فيها، وسيصبح ماء راكدا، ومن ثم ينجس - حسب قول الإمام الشافعي - وسنحتاج إلى ماء آخر، وهذا الماء الآخر سيختلط بالماء المتنجس المتبقي في الأذن، ومن ثم سينجس هو ذاته، وهلم جرا استنادا إلى قولكم: "ذكر الفقهاء أن النجاسة إن كانت واقفة في جانب النهر، أو قراره، أو في وهدة منه، فكل جرية تمر عليها إن كانت دون القلتين فهي نجسة" واستنادا إلى قول الشافعي: "فإن كان فيه ناحية يقف فيها الماء فتلك الناحية منه خاصة ماء راكد ينجس" والأمر ذاته ينطبق على تطهير أي كوب وقعت فيها نجاسة، فقياسا على ما ذكرتموه في حالة الدلو، أو السطل فلن يطهر هذا الكوب أبدا؛ لأننا إذا صببنا الماء في الكوب لكي نطهره فلن يعتبر هذا الماء جاريا، وسيجد ناحية يقف فيها، وسيصبح ماء راكدا، ومن ثم ينجس حسب قول الإمام الشافعي, وحسب قولكم: "فالذي نراه أنه لا يصدق عليه أنه ماء جار؛ لأنه وإن كان الماء يتدفق إليه إلا أنه يختلط بالماء الموجود فيه قبل أن يخرج، ولا يخرج من السطل إلا بعد الاختلاط" وحسب قولكم: لأن الماء يجتمع مع النجاسة فيها بعد صبه عليها, وسنحتاج إلى ماء آخر، سيلاقي نفس المصير، وهلم جرا.... فبالله عليكم كيف أطهر فمي، أو أذني، أو أي كوب من النجاسة، طالما أن الماء الجاري المستخدم في إزالة النجاسة في هذه الحالات سيجد ناحية يقف فيها، وسيصبح ماء راكدا، حسب المذهب الشافعي، وسيختلط بالنجاسة، ومن ثم سيتنجس هو ذاته وسنحتاج إلى ماء آخر وسيلاقي نفس المصير، وبالتالي لن نطهر أبدا, وقد تتهمونني بالوسواس، ولكنني أقيس الأمور قياسا على ما ذكرتم أنتم في شأن الدلو أو السطل، وقياسا أيضا على ما ذكره الإمام الشافعي بشأن الماء الجاري الذي سيجد ناحية يقف فيها، ومن ثم سيكون ماء راكدا، وقياسا على الجرية إذا كانت دون قلتين، وأيضا قياسا على ما أسماه الشافعي: "ماء الفضاء الذي ينجس إن كان دون القلتين" ألا ترون أن قول الشافعية في هذه المسألة قول فيه نظر؟ أو كما قال ابن عبد البر: "ما ذهب إليه الشافعي من حديث القلتين مذهب ضعيف من جهة النظر, غير ثابت من جهة الأثر" وأنا أعرف أن الشافعية يفرقون بين ورود الماء على النجاسة وورودها عليه، وأنا أفهم هذه التفرقة جيدا، ولكن المشكلة أنهم يعتبرون الماء راكدا إذا كانت هناك ناحية أو فضاء يقف عنده هذا الماء، وهو ما ينطبق على الحالات التي ذكرتها لكم.