السؤال
ذات يوم طردنا من البيت لأن الذي أعطى البيت لأبي نكث عهده، فذهبنا لبلد آخر حيث يوجد بيت قديم للجد، فسكنا فيه وأصبحنا بدون عمل، فبادرت عمتي- رحمها الله- إلى إعطاء أبي مبلغا لكي يفتح محلا لبيع المواد الغذائية, وذات مرة تخاصمت مع أبي بسبب تلك المشاكل - طبعا هذا ليس مبررا للعقوق - فقلت في نفسي: سآكل من المحل ولا أبالي, وهل سيخسر المحل بنقص سلعة أم لا؟ ولكن لا أدري هل هذا التفكير استمر معي طيلة العام أم لا؟ ولأن المحل بدأ يخسر لعدة أسباب قررنا إغلاقه، ثم رجعنا - بفضل الله - إلى بلدنا الأصلي بمعاونة من أصدقاء أبي، وقررنا فتح محل خاص بصناعتنا الأصلية - صناعة الأرائك - وأبي لا يعمل معنا, لكنه هو من أعطى لنا المال لفتح المحل، وبعدها بسنوات بنينا بيتا من مدخول المصنع, فهل بناؤنا للبيت، وتلبيتنا لكثير من الأشياء للوالدين يغطي ما أكلته بسبب تلك المشكلة التي حصلت بيني وبين أبي؟ لأننا بصراحة لا نأخذ راتبا إلا مبلغا يسيرا وقدمنا مصلحتهما - بارك الله فيكم -.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأصل أنه لا يجوز أكل مال المسلم دون رضاه وطيبة نفسه، ولا فرق بين الأب وغيره في هذا الحكم.
وعليه, فإن لم يكن لك على أبيك حق واجب من نفقة، أو دين لم تستطع أن تصل إليه إلا بهذه الحيلة، فما فعلته خيانة للأمانة، واعتداء عليها, فعليك بالاستغفار والتوبة من ذلك, ومن شروط التوبة رد الحقوق إلى أهلها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: على اليد ما أخذت حتى تؤديه. رواه أحمد وأبو داود والترمذي وقال: حسن صحيح. فيجب عليك أن ترد قيمة ما أكلته إلى والدك إن كانت المواد الغذائية مملوكة له.
أما إن كانت مملوكة لعمتك، وكان أبوك مشاركا في المحل بإدارته فقط، فعليك رد قيمة المواد إلى عمتك.
وإن عجزت عن تقديرها بدقة فعليك رد القدر الذي يغلب على ظنك أنك قد أبرأت به ذمتك.
ولا يشترط في الرد إعلام من تردها إليه بما وقع منك، وإنما يكفيك ردها وتمكينه من قبضها بطريقة لا تضرك, وانظر الفتوى رقم: 21859
واعلم أن ذمتك لا تبرأ إلا برد قيمة تلك المواد إلى مستحقها إلا أن يسامحك.
وأما بناؤكم للبيت، وتلبية أوامر الوالدين، فلا يبرئ ذمتك؛ فإن برك بوالديك واجب عليك مطلقا، سواء كان في ذمتك حق مالي لهما أم لا, وحق الوالد عظيم، فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يجزي ولد والدا إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه. رواه مسلم.
وأما راتبك اليسير فما دمت قد اتفقت عليه مع والدك، فلا يحق لك أخذ قدر زائد عليه.
والله أعلم.