السؤال
كنت قد حاولت أن أطرح فتوى في مركز إسلام ويب على الإنترنت، ولكن لم يسمح لي.
أنا فتاة مسلمة في الأصل، كنت في بداية عمري غير ملتزمة، لا ألتزم بالصلاة، ولا الحجاب، ولا الصيام، لكن بعد ذلك أصبحت أصوم، ولبست الحجاب غصبا عن أهلي، والصلاة أتركها أحيانا كثيرة. لكن لما قررت أن أجاهد نفسي، وأرغم نفسي على الطاعة والعبادة، وتركت كل الدنيا وما فيها لأجل الله، وتعذبت كثيرا كثيرا خلال هذا الشيء، ابتلاني الله بأخ كافر، نجس، قلب إسلامي إلى كفر، وأصبحت أبغض البيت والعائلة وهو، وكل ما في الدنيا، وأيضا أصبحت أعتقد بأن الله هو السبب في ذلك، إذ إنه يعلم ما سيكون، ويعلم بكل ما يحصل، ويعلم أني أريده وأريد عبادته، وأريد أن أكون من جماعته. فلماذا جعله أخي من البداية ؟ لماذا ؟؟ وكان الابتلاء في الدين أيضا !!!!!
ولكن الآن يخطر على بالي الموت، فكلما جاء على بالي وتذكرت القبر خفت أن أعذب، خاصة أنني سببت الذات الإلهية والدين، وأصبحت أعتقد وشبه متيقنة، أن الله لا يريدني؛ لأنه لو لم يكن كذلك كان وفقني من الأول بأن خلقني في عائلة ملتزمة دينيا، فقط ملتزمة ولا أريد شيئا آخر.
أفيدونا في هذا الموضوع.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فقد أسأت أيتها السائلة إساءة عظيمة بسب الله تعالى، والواجب عليك التوبة إلى الله تعالى بالندم، والعزم على عدم العودة مستقبلا فإن تبت تاب الله عليك؛ وقد قال تعالى: قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف وإن يعودوا فقد مضت سنة الأولين.
قال ابن كثير في تفسيره: يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: { قل للذين كفروا إن ينتهوا } أي: عما هم فيه من الكفر والمشاقة، والعناد، ويدخلوا في الإسلام والطاعة والإنابة، يغفر لهم ما قد سلف، أي: من كفرهم، وذنوبهم وخطاياهم. اهــ.
واحذري القنوط من رحمة الله تعالى، فإن الله يغفر الذنوب كلها لمن تاب إليه وأناب، كما قال تعالى: قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم {الزمر : 53 }.
وإذا تبت إليه سبحانه وتعالى وأنبت، فإن الله تعالى سيهديك ويوفقك لكل خير كما قال تعالى: ... ويهدي إليه من أناب { سورة الرعد :27 } .
وما لاقيتيه أو ستلاقينه من المشاكل مع الأسرة بسبب استقامتك، وكونه تعالى أوجدك في تلك الأسرة. هذا كله إنما هو اختبار لصدقك وامتحان لك، وليس لأن الله تعالى لا يريد هدايتك. وهذه سنة الله تعالى في عباده أنه يختبرهم ويمتحنهم، كما قال تعالى: ألم (1) أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون (2) ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين (3) {سورة العنكبوت }.
قال الشيخ السعدي رحمه الله تعالى: يخبر تعالى عن تمام حكمته، وأن حكمته لا تقتضي أن كل من قال " إنه مؤمن " وادعى لنفسه الإيمان، أن يبقوا في حالة يسلمون فيها من الفتن والمحن، ولا يعرض لهم ما يشوش عليهم إيمانهم وفروعه، فإنهم لو كان الأمر كذلك، لم يتميز الصادق من الكاذب، والمحق من المبطل، ولكن سنته وعادته في الأولين وفي هذه الأمة، أن يبتليهم بالسراء والضراء، والعسر واليسر، والمنشط والمكره، والغنى والفقر، وإدالة الأعداء عليهم في بعض الأحيان، ومجاهدة الأعداء بالقول والعمل ونحو ذلك من الفتن، التي ترجع كلها إلى فتنة الشبهات المعارضة للعقيدة، والشهوات المعارضة للإرادة، فمن كان عند ورود الشبهات يثبت إيمانه ولا يتزلزل، ويدفعها بما معه من الحق. وعند ورود الشهوات الموجبة والداعية إلى المعاصي والذنوب، أو الصارفة عن ما أمر الله به ورسوله، يعمل بمقتضى الإيمان، ويجاهد شهوته، دل ذلك على صدق إيمانه وصحته. ومن كان عند ورود الشبهات تؤثر في قلبه شكا وريبا، وعند اعتراض الشهوات تصرفه إلى المعاصي، أو تصرفه عن الواجبات، دل ذلك على عدم صحة إيمانه وصدقه. والناس في هذا المقام درجات لا يحصيها إلا الله، فمستقل ومستكثر، فنسأل الله تعالى أن يثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، وأن يثبت قلوبنا على دينه، فالابتلاء والامتحان للنفوس بمنزلة الكير، يخرج خبثها وطيبها. اهــ.
فتدبري هذا أيتها السائلة، وسيزول ما عندك من ضيق وإشكال، واجمعي همتك على الصدق مع الله، واجتياز الاختبار بنجاح بل بتفوق حتى تكوني عند الله من المقربين.
وإن من أعظم ما يعينك على لزوم طريق الاستقامة والثبات أمام الفتن، مرافقة الصحبة الصالحة من النساء المؤمنات، الصالحات. فابحثي لك عن صحبة صالحة تذكرك إذا نسيت، وتقومك إذا أخطأت، وتنشطك إذا كسلت , ونسأل الله تعالى أن يهديك ويشرح صدرك ويثبتك.
والله تعالى أعلم.