الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله تعالى غفور يقبل التوبة عن عباده، وباب التوبة مفتوح لكل من أرادها بصدق، وقد حذر الله من القنوط من رحمته ونهى عنه، وفتح باب التوبة لكل أحد، قال تعالى: قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم {الزمر:53}.
بل أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الله أفرح بتوبة العبد من فرح الرجل براحلته بعد أن كاد يهلك، كما روى مسلم في صحيحه عن البراء بن عازب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف تقولون بفرح رجل انفلتت منه راحلته تجر زمامها بأرض قفر ليس بها طعام ولا شراب، وعليها له طعام وشراب، فطلبها حتى شق عليه، ثم مرت بجذل شجرة فتعلق زمامها، فوجدها متعلقة به؟ قلنا: شديدا يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما والله لله أشد فرحا بتوبة عبده، من الرجل براحلته.
وهو أرحم بعباده من الوالدة بولدها كما في الصحيحين، لكنه مع كونه غفورا رحيما، هو شديد العقاب، وعذابه شديد، وقد أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بتنبيه عباده إلى ذلك، قال تعالى: نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم * وأن عذابي هو العذاب الأليم {الحجر:49، 50}.
فعلى العبد أن يسارع إلى التوبة قبل موته، وقبل أن يأتي يوم لا تنفع فيه التائب توبته، قال تعالى: ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير {آل عمران:28}.
وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى ظهور نساء من أمته كاسيات عاريات، فلا تكوني منهن، جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات، رءوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا.
وجاء في مسند الإمام أحمد بلفظ: سيكون في آخر أمتي، وفيه: العنوهن فإنهن ملعونات.
ولا شك أنه يحرم عليك الاستمرار في هذا العمل، لا سيما وقد تحققت الفتنة، وصرت ـ كما ذكرت ـ هدفا ومحورا لأحاديث الرجال السيئة، ولعلك وقعت في أشد من ذلك ـ كما يظهر من كلامك ـ وقد بينا حكم الاختلاط في العمل في الفتوى رقم: 66987.
وهذا، كما أنه يضرك في دينك وآخرتك، فإنه يضرك في سمعتك في الدنيا، وأنت الآن في عمر الزواج، إن لم تكوني متزوجة.
أما وضع الكحل أمام الرجال: فحرام وإن كان مع النقاب، فإن النقاب لا يستر العينين، بل يزيدهما الكحل فتنة، وهو من فعل الكاسيات العاريات المائلات المميلات، فإنه ستر لبعض الجسد مع إظهار زينة بعضه بحيث يفتن الناس ويميل قلوب الرجال والكحل يزيد الافتتان ـ كما هو معلوم ـ وقد نهى الله عن ذلك إذ قال: وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها {النور:31}.
بل نهى عما يظهر تزينها وإن خفيت الزينة، فقال: ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن {النور:31}.
ثم ذكر التوبة من ذلك وحض عليها فقال: وتوبوا إلى الله جميعا أيه المؤمنون لعلكم تفلحون {النور:31}.
وكل ذلك في آية واحدة، وما تقومين به من مجالسة الرجال ومؤانستهم والاستئناس بهم وبحديثهم هو عين ما نهى الله عنه، إذ قال: فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض {الأحزاب:32}.
وهو بريد الزنا، وقد قال تعالى: ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا {الإسراء:32}.
والنهي عن الاقتراب منه نهي عن كل مقدماته ودواعيه، وفي الحديث: فالعينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام. رواه مسلم.
فاتقي الله في نفسك، وبادري بالخروج من هذا المكان الذي يحرم تواجدك فيه، والذي قد أزرى بك، وقد تخسرين بسببه آخرتك، ولا تجعلي حبك له أشد من حبك لله ورسوله وتحمل المكاره في سبيله، قال تعالى: قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين {التوبة:24}.
وهذا في المباحات، فكيف بالمحرمات؟ وإن استمرارك في هذا العمل المحرم يمكن أن يكون دليلا على عدم صدقك في توبتك، وهو من التجارة التي تخشين كسادها والمساكن التي ترضينها، بل هو أشد، لحرمته، وتقديمك البقاء فيه على ما يحبه الله ويرضاه لما فيه من التسلية والراتب، هو نفسه سبب لضعفك وعدم زيادة تقواك التي تبحثين عنها وسبب لاستمرار تبرجك واستئناسك بالرجال ونفورك من العفاف، ولذلك قال تعالى في آخر الآية: والله لا يهدي القوم الفاسقين ـ قال ابن سعدي ـ رحمه الله ـ في تفسير هذه الآية: فتربصوا ـ أي: انتظروا ما يحل بكم من العقاب: حتى يأتي الله بأمره ـ الذي لا مرد له: والله لا يهدي القوم الفاسقين ـ أي: الخارجين عن طاعة الله، المقدمين على محبة الله شيئا من المذكورات. اهـ.
فتركك هذا المكان هو ـ إن شاء الله ـ أول خطوة نحو الهداية، فاتركيه لوجه الله، واشتري به دينك وطهرك وعفافك وسمعتك وإن كنت تحبينه، وقد قال تعالى: لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون {آل عمران:92}.
وهذا في المباح، فكيف بالحرام؟ وفي الحديث: حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات. رواه مسلم.
فلا تستسلمي لما تشتهينه، ولا تعبدي هواك وتستسلمي له، وأنت تعلمين حرمة فعلك، وأزيلي عنك غشاوة الهوى وشهوة النفس، قال تعالى: أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون {الجاثية:23}.
فإن توكلت على الله وسلمت له أمرك وتركت هذا المكان لوجه الله، زادك الله هدى وتقوى، ورزقك من حيث لا تحتسبين، قال تعالى: والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم {محمد:17}.
وقال تعالى: ومن يتق الله يجعل له مخرجا * ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه {الطلاق:2 3}.
واعلمي أن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه، كما روى أحمد وابن أبي شيبة عن أبي قتادة وأبي الدهماء قالا: أتينا على رجل من أهل البادية، فقال البدوي: أخذ بيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يعلمني مما علمه الله تبارك وتعالى، وقال: إنك لن تدع شيئا اتقاء الله، إلا أعطاك الله خيرا منه.
نسأل الله أن يمن عليك بهدايته وتقواه وأن ينزل عليك سكينته وأن يوفقك لما يحبه ويرضاه، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
والله أعلم.