السؤال
منذ سنوات عبت على شخص أعرفه ذنبا يفعله, دون معرفته بذلك, مع العلم أن هذا الذنب من كبائر الذنوب, فابتلاني الله بهذا الذنب العظيم, ولا زلت أحاول منذ سنوات الإقلاع عنه, ولكني لا أستطيع التوبة, فكلما تبت عدت, واكتشفت أن ذلك الشخص لا زال مبتلى به أيضا, وأريد التوبة بصدق لي ولذلك الشخص, وأصبحت أظن أن توبتي لن تحصل حتى أستسمح منه, وأعترف بكلامي عنه, ويصعب علي جدا الاعتراف بهذا, ولكنني أدعو الله بالتوبة النصوح لي ولذلك الشخص من هذا الذنب, فما إرشادكم وتوجيهكم - وفقكم الله -؟ وهل هذا الظن مني بلزوم الاعتراف وطلب السماح صحيح؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يمن عليك بتوبة نصوح، واعلمي أن شروط التوبة هي الندم, والاستغفار مما سلف من ذنب، والإقلاع عنه، وعقد العزم على عدم الأوبة إليه.
والذنوب التي فيها ظلم للعباد - كالغيبة - يضاف إلى شروط التوبة منها: التحلل من صاحب المظلمة, فعن أبي هريرة- رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كانت له مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء فليتحلله منه اليوم، قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه. أخرجه البخاري.
فيشترط لتوبتك من الغيبة أن تتحللي ممن اغتبته، وما دام هو لم يعلم باغتيابك له فاطلبي منه العفو دون أن تذكري له تفاصيل الغيبة؛ لئلا يؤدي ذلك إلى ما لا يحمد، وإن كان طلب العفو منه سيؤدي إلى مفسدة أعظم فإنك تكتفين بالدعاء والاستغفار له, وذكره بالخير في المجالس التي اغتبته فيها, وراجعي للفائدة في هذا الباب الفتويين: 18180 66515.
وتوبتك من الكبيرة التي وقعت فيها لا يشترط في صحتها توبتك من اغتيابك لذلك الشخص، فإن التوبة تصح من بعض الذنوب على الصحيح، جاء في الآداب الشرعية لابن مفلح: قال الشيخ تقي الدي : فمن تاب توبة عامة كانت هذه التوبة مقتضية لغفران الذنوب كلها, إلا أن يعارض هذا العام معارض يوجب التخصيص، مثل أن يكون بعض الذنوب لو استحضره لم يتب منه لقوة إرادته إياه، أو لاعتقاده أنه حسن، وتصح من بعض ذنوبه في الأصح, وذكر الشيخ محيي الدين النووي: أنها تصح من ذلك الذنب عند أهل الحق, وهو الذي ذكره القرطبي أنه خلاف قول المعتزلة, قال ابن عقيل: وعن أحمد ما يدل على أن التوبة لا تصح إلا من جميع الذنوب, قال في رجل قال: لو ضربت ما زنيت, ولكن لا أترك النظر, فقال أحمد - رضي الله عنه - ما ينفعه ذلك فسلبه الانتفاع بترك الزنا مع إصراره على مقدماته وهو النظر.
فأما صحة التوبة عن بعض الذنوب فهي أصل السنة, وإنما يمنع صحتها المعتزلة, والقائلون بالاحتياط, وأنه لا تنفع طاعة مع معصية، فأما من صحح الطاعة مع المعاصي صحح التوبة من بعض المعاصي. انتهى كلامه. وذكر هذه الرواية القاضي, ذكر ابن عقيل في الإرشاد هذه الرواية ولفظها قال: أي توبة هذه؟ وصرح أنها اختياره, وأنها قول جمهور المتكلمين، وقد قال أحمد في تعاليق إبراهيم الحربي: لو كان في الرجل مائة خصلة من خصال الخير, وكان يشرب النبيذ لمحتها كلها، وهذا من أغلظ ما يكون، واحتج لاختياره بما ليس فيه حجة, وقال الشيخ تقي الدين: إنما أراد - يعني أحمد - أن هذه ليست توبة عامة، لم يرد أن ذنب هذا كذنب المصر على الكبائر, فإن نصوصه المتواترة تنافي ذلك، وحمل كلامه على ما يصدق بعضه بعضا أولى، لا سيما إذا كان القول الآخر مبتدعا لم يعرف عن أحد من السلف. اهـ.
والله أعلم.