ذم الجبن عن إنكار المنكر، وأدب الاحتساب على الأبوين

0 344

السؤال

والدي عند الغداء في الغالب يأكل أمام التلفاز ويفتح أي قناة ـ إخبارية كانت أو غيرها ـ فإذا أتى مقطع من الموسيقى أو نحوه فإنه ليست عندي الجرأة لأن أغلق الصوت أو التلفاز، فماذا أفعل تجاه ذلك؟ وهل يعتبر عدم الجرأة على تغيير المنكر وخاصة أن سني لا يساعدني.. عذرا لي؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فلا يخفى ما في القنوات الفضائية -إخبارية وغير إخبارية- من مفاسد ومنكرات لا تكاد تسلم منها قناة، والأصل في ‏وجوب إنكار المنكر أنه على الكفاية، ولكن قد يتعين إذا لم يكن غيرك يقوم به مع استيفاء بقية شروط وجوبه من ‏ثبوت كون المنكر محظورا شرعا كالموسيقى والتبرج، وكونه قائما حالا لا قديما، وكونه ظاهرا لامستترا، وألا يكون ‏محلا لاختلاف المجتهدين.  هذه أربعة شروط فصلتها الموسوعة الفقهية في مادة ـ حسبة ـ

وأما عدم الجرأة على إنكار المنكر: فهذا من الجبن المذموم، قال ابن مفلح في الآداب الشرعية والمنح المرعية: ولا يسقط فرضه بالتوهم، فلو قيل له لا تأمر على فلان بالمعروف فإنه يقتلك، لم يسقط عنه كذلك.

فكيف بتوهم ما دون القتل من السب ‏أو سماع الكلام السيئ؟ هكذا علم لقمان ابنه فقال له: يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور {لقمان:17}‏.

وعن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يمنعن أحدكم مخافة الناس أن يتكلم بحق إذا علمه، قال أبوسعيد: فما زال بنا البلاء حتى قصرنا، وإنا لنبلغ في السر. رواه أحمد، وصححه الألباني

وصغر سنك ما دمت بالغا وكون الواقع في المنكر أحد الأبوين لا يقلل من شأن وجوب الإنكار عليه، بل يزيده ولكن ‏يختلف الأسلوب كما سنجليه لك، جاء في الموسوعة الفقهية: أجمع الفقهاء على أن للولد الاحتساب عليهما، لأن النصوص الواردة ‏في الأمر والنهي مطلقة تشمل الوالدين وغيرهما، ولأن الأمر والنهي لمنفعة المأمور والمنهي، والأب والأم أحق أن ‏يوصل الولد إليهما المنفعة‏.

وأما أسلوب الإنكار على الوالدين: ففيه تفصيل بينه أهل العلم، ففي الموسوعة الفقهية:‏ ولكن لا يتجاوز مرتبتي التعرف والتعريف.

وينبغي أن يسلك في ذلك سبيل اللطف والرفق واللين، قال صاحب معالم القربة في طلب الحسبة في صفات المحتسب: وليكن شيمته الرفق، ولين القول، وطلاقة الوجه، وسهولة الأخلاق عند أمره الناس، ونهيه، فإن ذلك أبلغ في استمالة ‏القلوب وحصول المقصود، قال الله تبارك، وتعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: ولو كنت فظا غليظ القلب ‏لانفضوا من حولك {آل عمران: 159} ولأن الإغلاظ في الزجر ربما أغرى بالمعصية، والتعنيف بالموعظة ينفر ‏القلوب.

هذا مع العامة، فكيف مع أخص الخاصة وأولى الناس بحسن الصحبة؟!

أما ما وراء ذلك من الإنكار على الوالد ففيه اختلاف بين العلماء، جاء في الموسوعة الفقهية: وقد اختلف ‏الفقهاء فيما يجاوز ذلك بحيث يؤدي إلى سخطهما بأن يكسر مثلا عودا أو يريق خمرا، أو يحل الخيوط عن ثيابه ‏المنسوجة من الحرير، أو يرد ما يجده في بيتهما من المال الحرام، وذهب الغزالي إلى أن للولد فعل ذلك، لأن هذه الأفعال لا تتعلق بذات الأب، فسخط الأب في هذه الحالة منشؤه ‏حبه للباطل وللحرام، وذهب آخرون إلى عدم جواز ذلك، وهو مذهب الحنفية، ونقله القرافي عن مالك، وهو أيضا ‏مذهب أحمد، قال صاحب نصاب الاحتساب: السنة في أمر الوالدين بالمعروف أن يأمرهما به مرة، فإن قبلا فبها، ‏وإن كرها سكت عنهما، واشتغل بالدعاء والاستغفار لهما، فإنه تعالى يكفيه ما يهمه من أمرهما.‏

وإن غلب على ظنه أنه لن يقبل منه، فهل ينكر؟ الأكثر على سقوط وجوب الإنكار، ويبقى الاستحباب إظهارا للشريعة، قاله الغزالي في الإحياء، وعندها يجوز ‏للولد أن يخبر المحتسب بمعصية والديه إذا علم الولد أن أبويه لا يمتنعان بموعظته، قاله صاحب نصاب ‏الاحتساب.

ولا يجوز للولد استماع الغناء وإن أمره والده بالبقاء للغداء، فلا طاعة إلا ‏في معروف، فقيامك من هذا المجلس ـ إن لم يغلقوا التلفاز ـ إنكار عليهم وصيانة لقلبك من الفتن وحفظ لدينك ‏من الفساد، فعن نافع مولى ابن عمر: أن ابن عمر سمع صوت زمارة راع، فوضع أصبعيه في أذنيه، وعدل ‏راحلته عن الطريق، وهو يقول: يا نافع أتسمع؟ فأقول: نعم، فيمضي حتى، قلت: لا، فوضع يديه، وأعاد راحلته ‏إلى الطريق، وقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمع صوت زمارة راع فصنع مثل هذا. رواه أحمد، ‏وصححه الألباني.‏

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة