السؤال
أنا رجل ابتلاني الله بذنب في شبابي, قال عنه العلماء: إنه ذنب أشد من القتل، ويلزمه توبة عظيمة، ولم أكن أعرف حينها مدى خطورته، وقد تبت توبة نصوحا؛ حتى أني كنت أمشي هائما على وجهي أبكي, والمشكلة أني رغم توبتي النصوح من هذه الكبيرة الممقوتة، إلا أنه بعد سنين طويلة من التوبة عاد هذا الذنب لفكري، فزلزلت أقوال العلماء وأحاديث الرسول ووعيد الرحمن كياني، فأنا حاليا أعاني مما يلي: الجزع، وفقدان الشهية، وقد تركت عملي, ولزمت بيتي، وفقدت طعم الحياة، وأشعر بفتور عن الطاعات، ووجهي أصبح شاحبا؛ لدرجة أني أدعو الله أن يقبض روحي, ومن جهة الآيات والفتاوى فهي شديدة مستنكرة, ومن جهة أخرى يطلب منك ألا تقنط؛ لأن الله يغفر الذنوب, فالموعظة تولد في الجزع, واحتقار النفس, وتزلزل أركاني, قال الله تعالى: "والذين إذا فعلوا فاحشة..." حتى هذه الآيات موجهة للزناة فقط الذين تابوا، فماذا عن غيرهم؟ وقال الله تعالى"...فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات..." وفي هذه الآية ذكرت ثلاثة ذنوب, فماذا عن بقية الذنوب العظيمة أيبدلها الله حسنات؟ حتى الحج تراجع مكانه في قلبي؛ لما علمت أنه لا يكفر إلا الصغائر, فكيف أنسى ذنبي؟ وكيف أتخلص من الخوف الشديد؟ إن النصائح قرأتها كلها, لكن عجزت عن التخلص من الخوف، آه, كم هو بلاء شديد! لدرجة أني تركت عملي, وصرت أخشى على أولادي, - فادعوا الله لي يرحمكم الله -.
الإجابــة
الحمد لله, والصلاة والسلام على رسول الله, وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى أن يتوب عليك, ويتجاوز عنك، ثم اعلم - بارك الله فيك - أن التوبة النصوح تمحو أثر الذنب, فكأنه لم يكن، مهما كان هذا الذنب عظيما، حتى لو كان الشرك بالله تعالى الذي لا ذنب أعظم منه, فإن التوبة تمحو أثره, وتصيره كأن لم يكن، قال الله تعالى: قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم {الزمر:53}, فأين أنت من قوله: جميعا فكل ذنب مهما كان, إذا تاب العبد منه توبة نصوحا قبل الله توبته, وأقال عثرته، والله تعالى لا يتعاظمه ذنب أن يغفره، قال صلى الله عليه وسلم: التائب من الذنب كمن لا ذنب له. رواه ابن ماجه. والله تعالى غفور, رحيم, بر, تواب, لطيف بعباده, فهون عليك - أيها الأخ الكريم - فإن ذنبك هذا - مهما كان عظيما - فإن توبتك النصوح تزيله, وتمحو أثره, فكأنه لم يكن، فدع عنك هذه الأوهام التي يلقيها الشيطان في قلبك؛ ليكدر عليك حياتك، وأقبل على ربك طالبا عفوه ومغفرته, محسنا ظنك به, عالما أنه سبحانه أرحم بعبده من الأم بولدها، وأكثر من الطاعات والنوافل, وتزود من القربات والعبادات, واجتهد في فعل ما أمكنك من الخير, فقد قال الله تعالى: إن الحسنات يذهبن السيئات {هود:114}، أزال الله عنك الهم والغم, ووفقك لما فيه الخير.
والله أعلم.