معيار لضياع الأعمار في ميزان الشرع، ودواء الحزن

0 343

السؤال

ما الحل لمشكلتي: أنا في المرحلة الثانوية، وللأسف رسبت هذه السنة، وأعاني من حالة نفسية سيئة، لأن أصدقائي الآن أكبر مني وأنا أقل منهم، وضاعت سنة من عمري، وللأسف كل ما أتذكر ذلك أتضايق، فماذا أفعل؟ وكيف أنسى ذلك؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنوصيك أخانا أن تصبر على ما قدره الله عليك، وأن تبتعد عن الجزع مما قضى الله، واعلم أن الله سبحانه أرحم بالعبد من نفسه، وكل ما يقضيه الله لعبده المؤمن فهو خير له، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء، صبر فكان خيرا له. أخرجه مسلم.

والضياع الحقيقي للعمر هو صرفه في غير طاعة الله جل وعلا، وأما النجاح والرسوب: فليس معيارا لضياع الأعمار في ميزان الشرع، وانظر إلى من هو أعظم منك مصابا من أرباب البلايا والنكبات يهن عليك حينئذ شأن الرسوب، واستحضر أن تفكيرك فيما فقدت لن يرده إليك أبدا، ولتستعن بالله جل وعلا أن يصرف عن قلبك داء الحزن، ولتعلم أن في طاعة الله وذكره سبحانه سلوة لقلب العبد عن كل فائت، ونختم بسوق كلام نفيس لابن القيم عن الحزن، يقول فيه: اعلم أن الحزن من عوارض الطريق، ليس من مقامات الإيمان ولا من منازل السائرين، ولهذا لم يأمر الله به في موضع قط ولا أثنى عليه، ولا رتب عليه جزاء ولا ثوابا، بل نهى عنه في غير موضع؛ كقوله تعالى: ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين {آل عمران: 139} وقال تعالى: ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون {النحل: 127} وقال تعالى: فلا تأس على القوم الفاسقين {المائدة: 26} وقال: إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا {التوبة: 40} فالحزن هو بلية من البلايا التي نسأل الله دفعها وكشفها، ولهذا يقول أهل الجنة: الحمد لله الذى أذهب عنا الحزن {فاطر: 34} فحمده على أن أذهب عنهم تلك البلية ونجاهم منها، وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول في دعائه: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل، والجبن والبخل، وضلع الدين وغلبة الرجال ـ فاستعاذ صلى الله عليه وسلم من ثمانية أشياء كل شيئين منها قرينان: فالهم والحزن قرينان، وهما الألم الوارد على القلب، فإن كان على ما مضى فهو الحزن، وإن كان على ما يستقبل فهو الهم، والمقصود أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الحزن مما يستعاذ منه، وذلك لأن الحزن يضعف القلب ويوهن العزم ويضر الإرادة، ولا شيء أحب إلى الشيطان من حزن المؤمن، قال تعالى: إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا {المجادلة: 10} فالحزن مرض من أمراض القلب يمنعه من نهوضه وسيره وتشميره، وقال بعض العارفين: ليست الخاصة من الحزن في شيء ـ وقوله رحمه الله: معرفة الله جلا نورها كل ظلمة، وكشف سرورها كل غمة ـ كلام في غاية الحسن، فإن من عرف الله أحبه ولا بد، ومن أحبه انقشعت عنه سحائب الظلمات، وانكشفت عن قلبه الهموم والغموم والأحزان، وعمر قلبه بالسرور والأفراح، وأقبلت إليه وفود التهاني والبشائر من كل جانب، فإنه لا حزن مع الله أبدا، ولهذا قال تعالى حكاية عن نبيه صلى الله عليه وسلم أنه قال لصاحبه أبي بكر: لا تحزن إن الله معنا {التوبة: 40} فدل أنه لا حزن مع الله، وأن من كان الله معه فما له وللحزن؟ وإنما الحزن كل الحزن لمن فاته الله، فمن حصل الله له فعلى أي شيء يحزن؟ ومن فاته الله فبأي شيء يفرح؟ قال تعالى: قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا {يونس: 58} فالفرح بفضله ورحمته تبع للفرح به سبحانه، فالمؤمن يفرح بربه أعظم من فرح كل أحد بما يفرح به: من حبيب، أو حياة، أو مال، أو نعمة، أو ملك، يفرح المؤمن بربه أعظم من هذا كله، ولا ينال القلب حقيقة الحياة حتى يجد طعم هذه الفرحة والبهجة، فيظهر سرورها في قلبه ونضرتها في وجهه، فيصير له حال من حال أهل الجنة حيث لقاهم الله نضرة وسرورا. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات