السؤال
أود معرفة صحة ما يلي من كلامي, وأين أجده في كتب العلم - إن كان صحيحا -: أولا: التبديع يجب أن يتم بطريقة علمية, أقصد أن يقال عن شخص: إنه من إحدى الفرق الضالة, كأن نقول عن شخص: إنه من المعتزلة - أي أنه يقول ويعتقد جميع البدع القولية والاعتقادية لفرقة المعتزلة التي اصطلح عليها العلماء - أو يقول ببدعة أو مجموعة تتميز بها المعتزلة: مثل القول بوجود منزلة بين المنزلتين, وهي الفرقة الوحيدة التي تقول بذلك - على حسب علمي - وما يجعلني أعتقد صحة كلامي هو أنه إذا اشتركت مجموعة من الفرق الضالة في بدعة فلا يمكننا الحكم على شخص بانتمائه إلى فرقة ضالة معينة.
ثانيا: إذا اعتقد أو قال أو عمل شخص بدعة تشترك فيها مجموعة من الفرق الضالة, فالأحوط أو الواجب - حسب رأيي الآن - أن يقال عنه: فيه تلك البدعة, فمثلا شخص كفر مسلما بالمعصية: فلا يجوز أن نقول عنه خارجي أو معتزلي, بل الواجب قول: هذا يكفر المسلمين بالمعصية, وهي من بدع الخوارج, أو هذا يكفر المسلمين بالمعصية, وهي من بدع المعتزلة, وعندما يثبت أنه يقول بالمنزلة بين المنزلتين لمرتكب الكبيرة في الدنيا فعنذئذ يمكن القول: إنه معتزلي.
ثالثا: إذا كان ما سبق صحيحا, فإذا رمى أي عالم من علماء السنة والجماعة شخصا بدون احترام ما جئت به يكون مخطئا أو ظالما من قال عنه إنه من فرقة معينة من الفرقة الضالة؟ فلو نعت العالم زيد عمروا بكونه خارجيا, فبحثنا عن عمرو, فلم نجده يكفر المسلمين بالمعصية, ولا يقول بالمنزلة بين المنزلتين, وإنما نادى بالخروج على حاكمه المسلم الظالم فقط, فهل العالم زيد محق أم ظالم لعمرو؟ أم أن شروطي أساسا عبارة عن لخبطات منطقية لا تصلح لهذا الشيء؟ وهل كلامي صحيح؟ وفي حالة كونه صحيحا: أين أجده في كتب العلم؟ وإذا كان خاطئا فما هو الصواب؟ جزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أن الحكم على الناس بالبدعة أمر خطير, لا يجوز الإقدام عليه بمجرد الظن والهوى، وإنما يجب التأني فيه, وعدم العجلة في إصدار الأحكام على كل من وقعت منه مخالفة، بل ليس كل من وقع في بدعة يعد من أهل الأهواء والبدع, قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - في مجموع الفتاوى: والبدعة التي يعد بها الرجل من أهل الأهواء ما اشتهر عند أهل العلم بالسنة مخالفتها للكتاب والسنة: كبدعة الخوارج، والروافض، والقدرية، والمرجئة. انتهى.
وبهذا تعلم أن الأصل سلامة المسلم، وبقاءه على عدالته، حتى يتحقق زوال ذلك عنه بمخالفته أمرا اشتهر عند العلماء أنه مخالف للكتاب والسنة.
وقال شيخ الإسلام أيضا في مجموع الفتاوى: وكثير من مجتهدي السلف والخلف قد قالوا وفعلوا ما هو بدعة, ولم يعلموا أنه بدعة, إما لأحاديث ضعيفة ظنوها صحيحة, وإما لآيات فهموا منها ما لم يرد منها, وإما لرأي رأوه, وفي المسألة نصوص لم تبلغهم. انتهى.
ثم أصول الفرق من الخوارج, والمعتزلة, والرافضة, والجهمية, والمرجئة, وغيرهم قد دونها أهل العلم, واشتهرت بينهم، ومن هذه الأصول ما امتازت به فرقة عن بقية الفرق، أو أنها أول من ابتدعت هذا الأصل المخالف للشرع, وإن وافقها فيه بعد ذلك بعض الفرق الأخرى, فمن وافق فرقة من هذه الفرق في أصل لها انفردت به, أو سبقت الفرق بالقول به نسبوه إلى هذه الفرقة.
وننبه السائل إلى أمرين:
الأمر الأول: أن يترك هذه المسائل - مسائل التبديع, والتفسيق, والتكفير للعلماء المختصين بذلك - فإنها مضائق, زل فيها كثير من الناس, خصوصا طلبة العلم الذين هم في أول الطريق، فقد دخل في هذا الباب كثير ممن لا يحسنه، فأفسد أكثر مما أصلحه، فاشتغل - رحمك الله - بطلب العلم النافع, الذي يبصرك بمواضع الزلل، وينور بصيرتك بما كان عليه السلف الصالح.
الأمر الثاني: أن المعتزلة لا يكفرون الفساق من أهل المعاصي والكبائر، وإنما هم عندهم في منزلة بين المنزلتين؛ أي: بين الإيمان والكفر, قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى: وأما المنزلة بين المنزلتين فهي عندهم - يعني المعتزلة - أن الفاسق لا يسمى مؤمنا بوجه من الوجوه, كما لا يسمى كافرا، فنزلوه بين منزلتين، وإنفاذ الوعيد عندهم معناه: أن فساق الملة مخلدون في النار, لا يخرجون منها بشفاعة, ولا غير ذلك, كما تقوله الخوارج, والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يتضمن عندهم جواز الخروج على الأئمة, وقتالهم بالسيف. انتهى.
وللفائدة يرجى مراجعة هذه الفتاوى: 19773، 216703، 216631.
والله أعلم.