السؤال
ما هو مقياس الوسط في العبادة؟ وكيف أقول عن نفسي إني لا أغلو ولا أشدد عليها؟ فهناك أناس يتواكلون على مصطلح: "العبادة وسطية".
ما هو مقياس الوسط في العبادة؟ وكيف أقول عن نفسي إني لا أغلو ولا أشدد عليها؟ فهناك أناس يتواكلون على مصطلح: "العبادة وسطية".
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فرسول الله صلى الله عليه وسلم هو الميزان الأكبر، فما وافق هديه من الأقوال والأفعال فهو المحمود، وما انحرف عنه يمنة أو يسرة فهو المذموم، فأحسن الهدي هديه صلى الله عليه وسلم، فمن التزم بما كان عليه صلوات الله عليه، فهو العابد لله، المحسن في عبادته، ومن تجاوز الحد، وأسرف، فزاد على ما شرعه صلى الله عليه وسلم، فهو الغالي، البعيد عن الوسط، وذلك مثل ما ثبت في الصحيح عن حميد الطويل أنه سمع أنس بن مالك - رضي الله عنه -، يقول: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أخبروا كأنهم تقالوها، فقالوا: وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم؟ قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبدا، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم، فقال: أنتم الذين قلتم كذا وكذا، أما والله إني لأخشاكم لله، وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني.
وفي المسند وغيره عن عروة قال: دخلت امرأة عثمان بن مظعون - أحسب اسمها خولة بنت حكيم - على عائشة، وهي باذة الهيئة، فسألتها: ما شأنك؟ فقالت: زوجي يقوم الليل، ويصوم النهار، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم، فذكرت عائشة ذلك له، فلقي رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان، فقال: يا عثمان، إن الرهبانية لم تكتب علينا، أفما لك في أسوة؟ فوالله إني أخشاكم لله، وأحفظكم لحدوده. قال الأرنؤوط: وهو حديث صحيح.
وفي الصحيح: قالت عائشة - رضي الله عنها -: صنع النبي صلى الله عليه وسلم شيئا ترخص فيه، وتنزه عنه قوم، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فحمد الله، وأثنى عليه ثم قال: ما بال أقوام يتنزهون عن الشيء أصنعه، فوالله إني أعلمهم بالله وأشدهم له خشية. والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.
والحاصل أن الوسط والخير، والذي لا أفضل منه، ولا أكمل هو ما كان عليه المعصوم صلوات الله عليه وسلامه، فمن ابتغى خلاف هديه، أو تعبد لله بما لم يرد عنه، أو زاد على ما شرعه لأمته فهو الغالي، المجاوز لحد التوسط، ومن ترك ما كان عليه من الهدي، وأسرف على نفسه، وتعدى حدود الله يزعم أن هذا من يسر الدين، وأنه من الوسطية التي بعث بها محمدا صلى الله عليه وسلم فقد أخطأ خطأ عظيما، وكثير من الناس يروق لهم الاستدلال بهذه النصوص، ونحوها، الدالة على يسر الشريعة، وسماحتها، فيأتي ما نهى عنه الشرع، فيكون قد غلط مرتين: مرة بارتكاب النهي، وأخرى - وهي الأشد - بنسبة ذلك إلى الشرع.
والحاصل أنك إن أردت أن تعرف هل أنت منسوب لتلك الوسطية أم عندك نوع غلو: فلتقس ما أنت عليه بما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم، قال الله: وإن تطيعوه تهتدوا {النور:54}.
والله أعلم.