السؤال
هل ذكر الإمام محمد السفاريني في كتاب لوامع الأنوار البهية، وسواطع الأسرار الأثرية أن هناك معنى قائما بذات الله، وهو ما خلقه في غيره؟
أريد ممن قرأ هذا الكتاب أن يجيب: هل ذكر الإمام ذلك، لا من يبحث عن طريق الإنترنت كي أطمئن؛ لأن ظاهر الكلام يناقض صحيح العقيدة؛ لأن ما قام بالله لا يفارقه وينتقل إلى غيره، فلو خلقه في غيره.
معنى ذلك أنه فارقه سواء فارقه مباشرة أو انتفى عنه بالعدم، ثم وجد في غيره، وهذا ما أعلمه من العقيدة، ولا أتذكر النص؛ لذلك أريد أن أعرف هل ذكر شيء من هذا؟ ولو ذكر فما توجيهه وأين موضعه؟
وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليس في كلام السفاريني في (لوامع الأنوار البهية) أن هناك معنى قائما بذات الله، وهو ما خلقه في غيره!! بل قد نص في المتن (الدرة المضية) على أن كل ما سوى الله تعالى وأسمائه، وصفاته، مخلوق محدث، فقال:
وسائر الأشياء غير الذات وغير ما الأسماء والصفات
مخلوقة لربنا من العدم وضل من أثنى عليها بالقدم
قال في الشرح (اللوامع): فكل ما سواه سبحانه بأسمائه، وصفاته، محدث، مسبوق بالعدم. وهذا المتفق عليه عند سلف الأمة، وأئمتها من أن الله تعالى خالق كل شيء، وربه ومليكه، وأنه خالق كل شيء بقدرته ومشيئته، وأنه ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، فهو سبحانه وتعالى خالق الممكنات المحدثات من الأجسام، والأعراض القائمة بالحيوان والجماد، والمعادن، والنبات وغيرها. اهـ.
وأقرب ما يمكن ربطه بالعبارة محل السؤال هو في موضع ذكره لمذاهب الطوائف في كلام الله تعالى، وكونه صفة من صفاته.
أما كلام السفاريني نفسه، وكلام أئمة السلف، فليس فيه أن كلام الله تعالى معنى قائم بذاته، ومخلوق في غيره، وإنما هذا مذهب الجهمية ومن وافقهم.
قال السفاريني في أول كلامه على صفة الكلام: يجب الجزم بأنه تعالى متكلم بكلام قديم، ذاتي وجودي، غير مخلوق، ولا محدث، ولا حادث، لا يشبه كلام الخلق. اهـ.
ثم نقل كلام شيخ الإسلام ابن تيمية في (شرح العقيدة الأصفهانية): اتفق سلف الأمة وأئمتها على أن الله تعالى متكلم بكلام قائم به، وأن كلامه غير مخلوق ... وأنكروا على الجهمية من المعتزلة وغيرهم الذين قالوا: إن كلام الله مخلوق، خلقه في غيره ... اهـ.
وقال شيخ الإسلام: قول السلف: القرآن كلام الله غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود ... لا يدل على أن الكلام يفارق المتكلم وينتقل إلى غيره، ولكن هذا دليل على أن الله هو المتكلم بالقرآن ومنه سمع، لا أنه خلقه في غيره، كما فسره بذلك أحمد وغيره من الأئمة. اهـ.
وقال أيضا: المتكلم عند الناس من قام به الكلام لا من أحدثه في غيره، كما أن المريد والرحيم، والسميع والبصير، والعالم والقادر من قامت به الإرادة والرحمة والسمع والبصر والعلم والقدرة لا من أحدث ذلك في غيره ... وإذا احتجت الجهمية من المعتزلة ونحوهم بأن أحدنا إنما كان متكلما لأنه فعل الكلام. قيل: هو لم يحدثه في غيره، ولم يباين كلامه نفسه، وأنتم تجعلون الكلام البائن للمتكلم كلاما له. فإن قالوا: ولا نعقل الكلام إلا كلاما لمن فعله بمشيئته وقدرته، فإن كلام أحدنا لم يكن كلاما له بمجرد قيامه بذاته، بل لكونه فعله. قيل: أما كلام أحدنا فهو قائم به، وهو تكلم به بذاته ومشيئته وقدرته، فهو قد جمع الوصفين أنه قائم بذاته، وأنه تكلم به بمشيئته وقدرته، فليس جعلكم الكلام كلامه لمجرد كونه فعله، بأولى من جعل غيركم الكلام كلاما له لمجرد كونه قام بذاته. اهـ.
وذكر شيخ الإسلام أن كثيرا من طوائف أهل الكلام، وأساطين فلسفة المتقدمين، وجمهور أئمة الحديث، وهو مقتضى ما ذكروه عن السلف، والأئمة من الصحابة والتابعين وتابعيهم إلى عبد الله بن المبارك وأحمد بن حنبل والبخاري وأمثالهم، وعليه يدل كلام السلف، فهؤلاء إذا قالوا: المتكلم من قام به الكلام، وهو يتكلم بمشيئته وقدرته، خصموا المعتزلة وانقطعت حجتهم عنهم؛ فإنهم اعتبروا الوصفين جميعا، فمن جعل المتكلم من قام به الكلام، وإن لم يكن متكلما بمشيئته وقدرته، أو جعله من فعله بمشيئته وقدرته وإن لم يكن قائما به، لحذف أحد الوصفين. اهـ.
والله أعلم.