الأعمال الصالحة التي تعجل بكسوة العبد يوم القيامة

0 2193

السؤال

ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أيها الناس! إنكم تحشرون إلى الله حفاة عراة غرلا ـ كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين ـ ألا وإن أول الخلائق يكسى يوم القيامة إبراهيم عليه السلام ـ والسؤال هو: هل هناك أعمال وردت تعجل من كسوة الإنسان يوم القيامة أو تكون سترا؟. وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد ذكر العلماء علة تقدم إبراهيم ـ عليه السلام ـ بهذه الفضيلة، قال ابن حجر في الفتح: قيل الحكمة في كون إبراهيم أول من يكسى أنه جرد حين ألقي في النار، وقيل لأنه أول من استن التستر بالسراويل، وقيل إنه لم يكن في الأرض أخوف لله منه فعجلت له الكسوة أمانا له ليطمئن قلبه، وهذا اختيار الحليمي، والأول اختيار القرطبي، قلت: وقد أخرج بن منده من حديث حيدة بفتح المهملة وسكون التحتانية رفعه قال: أول من يكسى إبراهيم يقول الله اكسوا خليلي ليعلم الناس اليوم فضله عليهم. انتهى.

وقال الملا علي القاري في المرقاة: قيل: لأنه أول من كسا الفقراء، وقيل: لأنه أول من عري في ذات الله حين ألقي في النار، لا لأنه أفضل من نبينا، أو لكونه أباه فقدمه لعزة الأبوة. انتهى. 

هذا من باب الفائدة, أما عن السؤال فالجواب أنا لم نر فيما اطلعنا عليه  من نص من أهل العلم على ما يفيد في تعجيل الكسوة ـ فالله أعلم ـ ولكن ورد كسوة من يكسو مسلما على عري، وسيأتي ـ إن شاء الله ـ وقد روي أن المؤذنين يكسون بعد ذلك، قال القرطبي في التذكرة: وروى عباد بن كثير، عن أبي الزبير، عن جابر ـ رضي الله عنه ـ قال: إن المؤذنين والملبين يخرجون يوم القيامة من قبورهم يؤذن المؤذن ويلبي الملبي، وأول من يكسى من حلل الجنة إبراهيم خليل الله ثم محمد صلى الله عليه وسلم ثم النبيون والرسل عليهم السلام، ثم يكسى المؤذنون وتتلاقهم الملائكة على نجائب من نور أحمر أزمتها من زمرد أخضر، رحالها من الذهب، ويشيعهم من قبورهم سبعون ألف ملك إلى المحشر. اهـ

والحديث رواه ابن شاهين في الترغيب، وقوام السنة في الترغيب، وعباد بن كثير متروك، ولذا أورده ابن الجوزي في الموضوعات، وهذه الكسوة من ثياب الجنة كما ذكر المناوي في فيض القدير، وقال القرطبي: وهذا نص بأن إبراهيم أول من يكسى، ثم نبينا بإخباره صلى الله عليه وسل،م فطوبى ثم طوبى لمن كسي في ذلك الوقت من ثياب الجنة، فإنه من لبسه فقد لبس جبة تقيه مكاره الحشر وعرقه وحر الشمس وغير ذلك من أهواله. اهـ

وقد ورد في ثواب بعض الأعمال أن صاحبها يكسى يوم القيامة، ففي سنن ابن ماجه عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن أبيه، عن جده، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ما من مؤمن يعزي أخاه بمصيبة، إلا كساه الله سبحانه من حلل الكرامة يوم القيامة. قال الألباني: حسن.

وقد ذكر ابن المبارك في الزهد رواية مفسرة: عن أبي مودود المديني قال: حدثني طلحة بن عبيد الله بن كريز قال: بلغني أن من عزى مسلما بمصيبة كساه الله يوم القيامة رداء، أو قال: بردا على رءوس الأشهاد يحبر به، فسألت طلحة، ما يحبر به؟ قال: يغبط به.

وفي الصحيحين عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:.. ومن ستر مسلما، ستره الله في الدنيا والآخرة..

وروى أحمد في المسند، والترمذي في السنن عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيما مؤمن أطعم مؤمنا على جوع أطعمه الله يوم القيامة من ثمار الجنة، وأيما مؤمن سقى مؤمنا على ظمأ سقاه الله يوم القيامة من الرحيق المختوم، وأيما مؤمن كسا مؤمن على عري كساه الله من خضر الجنة. وصحح وقفه الترمذي والألباني، والأرناؤوط.

قال المناوي في التيسير بشرح الجامع الصغير: كساه الله تعالى من خضر الجنة ـ بضم الخاء وسكون الضاد المعجمتين جمع أخضر أي من الثياب الخضر فيها وخصها لأنها أحسن الألوان..... جزاء وفاقا، إذ الجزاء من جنس العمل، والمراد أنه يخص بنوع من ذلك أعلى وإلا فكل من دخل الجنة كساه الله من ثيابها وأطعمه وسقاه من ثمارها وخمرها.

وروى ابن أبي الدنيا بإسناده عن ابن مسعود: قال يحشر الناس يوم القيامة أعرى ما كانوا قط وأجوع ما كانوا قط وأظمأ ما كانوا قط وأنصب ما كانوا قط، فمن كسا لله كساه الله، ومن أطعم لله أطعمه الله، ومن سقى، لله سقاه الله، ومن عفى لله أعفاه الله.

وروى أحمد في الزهد عن عبد الله بن عبيد بن عمير، قال: يحشر الناس يوم القيامة أجوع ما كانوا وأعطش ما كانوا وأعرى ما كانوا ، فمن أطعم لله عز وجل أطعمه الله عز وجل ، ومن كسا لله عز وجل كساه الله عز وجل ، ومن سقى لله عز وجل سقاه الله عز وجل ، ومن كان في رضا الله كان الله عز وجل على رضاه أقدر.

قال د.عبد الكريم الخضير في شرح المحرر: والجزاء من جنس العمل، فمن كسا كسي، وأول من يكسى يوم القيامة من؟ إبراهيم ـ عليه السلام ـ لماذا؟ لأنه جرد من ثيابه حينما أرادوا إلقاءه في النار، أيما مسلم كسا مسلما ثوبا على عري كساه الله من خضر الجنة، من السندس والإستبرق، وأيما مسلم أطعم مسلما على جوع، يدل على أنه كلما كثرت الحاجة زاد الفضل، كلما كان المتصدق عليه أكثر حاجة من غيره كان الأجر أعظم، هذا على عري، وهذا على جوع، وهذا على ظمأ أطعمه الله من ثمار الجنة، وأيما مسلم سقى مسلما على ظمأ، لأنك قد تكسو، وقد تطعم، وقد تسقي شخص عنده ثياب، بينما يوجد غيره، على كل حال أنت مأجور على هذه الصدقة، لأنك ظننت أنه من أهلها فتصدقت عليه، لكن لو دفعتها إلى من لا يجد ما يكتسيه، فإنك تستحق هذا الوعد، ومثله لو أطعمت جائعا، أو سقيت على ظمأ. اهـ  

وروى الترمذي عن سهل بن معاذ بن أنس الجهني، عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من ترك اللباس تواضعا لله وهو يقدر عليه دعاه الله يوم القيامة على رءوس الخلائق حتى يخيره من أي حلل الإيمان شاء يلبسها ـ هذا حديث حسن، ومعنى قوله حلل الإيمان: يعني ما يعطى أهل الإيمان من حلل الجنة ـ ورواه أحمد، وحسنه الألباني، والأرناؤوط، قال ابن رجب في اختيار الأولى: وإنما يذم من ترك اللباس مع قدرته عليه بخلا على نفسه، أو كتمانا لنعمة الله عز وجل، وفي هذا جاء الحديث المشهور: إن الله إذا أنعم على عبد نعمة أحب أن يرى أثر نعمته على عبده، ومن لبس لباسا حسنا إظهارا لنعمة الله ولم يفعله اختيالا كان حسنا وروى البخاري عن هند بنت الحارث الفراسية، أن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة فزعا، يقول: سبحان الله، ماذا أنزل الله من الخزائن، وماذا أنزل من الفتن، من يوقظ صواحب الحجرات ـ يريد أزواجه لكي يصلين ـ رب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة، قال ابن حجر في الفتح: واختلف في المراد بقوله كاسية وعارية على أوجه أحدها كاسية في الدنيا بالثياب لوجود الغنى عارية في الآخرة من الثواب لعدم العمل في الدنيا، ثانيها كاسية بالثياب لكنها شفافة لا تستر عورتها فتعاقب في الآخرة بالعري جزاء على ذلك، ثالثها كاسية من نعم الله عارية من الشكر الذي تظهر ثمرته في الآخرة بالثواب، رابعها كاسية جسدها لكنها تشد خمارها من ورائها فيبدو صدرها فتصير عارية فتعاقب في الآخرة... انتهى.

فيؤخذ منه أن العمل الصالح، يمنع العقوبة بالعري الخاص في الآخرة، وأن لبس المرأة ثيابا ساترة سابغة يمنعها ذلك، قال الزهرى: وكانت هند ـ راوية الحديث ـ لها أزرار في كميها بين أصابعها، قال ابن بطال: وإنما فعلت ذلك، لئلا يبدو من سعة كميها شيء من جسدها، فتكون وإن كانت ثيابها غير واصفة لجسدها داخلة في معنى قوله: كاسية عارية، فلم يتخذ النبي عليه السلام ولا أهله من الثياب إلا الساتر لهن غير الواصف، وهو كان فعل السلف.

ويؤخذ منه أن صلاة الليل، والدعاء قد تكون سببا لذلك، قال ابن بطال: وفي الحديث الندب إلى الدعاء والتضرع عند نزول الفتنة ولا سيما في الليل لرجاء وقت الإجابة لتكشف أو يسلم الداعي ومن دعا له. 

ونختم بما روى البخاري، ومسلم عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تحشرون حفاة عراة غرلا ـ قالت عائشة: فقلت يا رسول الله! الرجال والنساء ينظر بعضهم إلى بعض؟ فقال: الأمر أشد من أن يهمهم ذاك.

سترنا الله وإياكم في الدنيا والآخرة.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات