السؤال
قام أخي بالبناء على أرض لم تقسم على الورثة لصغر سنهم بالتراضي مع والدتي، وعندما كبرنا طالبنا بتقسيم الميراث، فطالب بثمن البناء حتى يخليه، مع العلم أنه سكن المنزل 20 سنة، فما حكم الشرع؟.
وجزاكم الله خيرا.
قام أخي بالبناء على أرض لم تقسم على الورثة لصغر سنهم بالتراضي مع والدتي، وعندما كبرنا طالبنا بتقسيم الميراث، فطالب بثمن البناء حتى يخليه، مع العلم أنه سكن المنزل 20 سنة، فما حكم الشرع؟.
وجزاكم الله خيرا.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما بناه الأخ على الأرض الموروثة قبل قسمتها مع اتفاقه مع الأم على ذلك لا يخلو الحال من أن تكون الأم هي الوصية على الصغار أو لا تكون وصية، وعلى فرض كونها وصية وقد منحت الأرض للبناء عليها لمصلحة الصغار، فهذه عارية، ومسألة تصرف الوصي بالعرية في مال الموصى عليه فيها خلاف بين أهل العلم وبعض الحنفية أباحها، قال ابن عابدين في حاشيته: في شرح الطحاوي للإسبيجابي: للوصي والأب إعارة مال اليتيم، قال عماد الدين في فصوله: وهذا مما يحفظ جدا، وفي التجنيس عن النوازل: ليس للأب ذلك، لأنه ليس من توابع التجارة في ماله، وفي الذخيرة: له إعارة طفله، أما إعارة ماله فكذلك عند البعض استحسانا لا عند العامة، وهو القياس.
قال النووي في المنهاج: ويتصرف الولي بالمصلحة، قال الصاوي: ويتصرف الولي على المحجور ـ وجوبا ـ بالمصلحة العائدة على محجوره ـ حالا أو مآلا. اهـ.
وافتراض وجود مصلحة في عرية الأرض للبناء غير بعيد مثل ما إذا كان ذلك يزيد في قيمتها أو يحفظها وهكذا، وعلى هذا فحق الورثة باق في الأرض، ولهم أن يطالبوا بالبناء على أن يدفعوا لأخيهم صاحب البناء كلفة بنائه، وتقدر قيمته قائما لا منقوضا على الراجح، كما بينا في الفتوى رقم: 65439.
والاحتمال الثاني أن لا تكون الأم وصية، فلا عبرة برضاها في إسقاط حق الصغار وعليه، فيعتبر حكم الأخ في ذلك كحكم الشريك إذا بنى في الأرض بغير إذن شريكه، وللعلماء في ذلك قولان:
الأول: أن يطالب الباني بهدم البناء، وهذا قول الشافعية والحنابلة، وزاد الحنابلة أنه إذا أراد الشريك الانتفاع بما بناه شريكه ويأخذه بقيمته لم يلزم الباني القبول، بل له هدمه، جاء في تحفة المحتاج من كتب الشافعية: فلو خالف وفعل، هدم مجانا، وإن كان ما بنى عليه مشتركا لتعديه... انتهى.
ومثله في حاشية الجمل من كتب الشافعية: لو كانت الأرض مشتركة بين شخص وآخر فغرس فيها أو بنى بغير إذن شريكه فإنه يكلف القلع لتعديه بفعله، لأن كل جزء مشترك بينهما فكان كالغاصب لا يقال فيه تكليفه قلع ملكه من ملكه لأنا نقول ليس القصد بذلك، وإنما القصد الخروج من حق الغير وهو لا يحصل إلا بقلع الجميع... انتهى.
وقال النووي في روضة الطالبين: ولو بنى أو غرس بغير إذن شريكه قلعه مجانا.. انتهى.
وعند الحنابلة أيضا كما في منار السبيل: وإن غرس أو بنى في الأرض ألزم بقلع غرسه وبنائه، لقوله صلى الله عليه وسلم: ليس لعرق ظالم حق ـ حسنه الترمذي، حتى ولو كان الغاصب أحد الشريكين في الأرض، وفعله له بغير إذن شريكه للتعدي. انتهى.
وفي مطالب أولي النهى: ولا يملك رب الأرض أخذه ـ أي: البناء أو الغراس ـ من الغاصب مجانا ولا بقيمته، لأنه عين مال الغاصب، فلم يملك رب الأرض أخذه..
الثاني: قول المالكية والحنفية وهو أن من بنى أو غرس في أرض بينه وبين شريكه بغير إذنه أو كان غائبا فإنهما يقتسمان الأرض، فإن صار للباني ما بناه في حصته من الأرض كان له بنيانه، وإن صار البنيان أو الغرس في نصيب شريكه خير بين أن يعطي له قيمة بنيانه منقوضا أو قيمة غرسه مقلوعا وبين أن يسلم إليه نقضه بنقله، وزاد المالكية ويكون له من الكراء على الباني بقدر ما انتفع به من حصة شريكه، جاء في رد المحتار من كتب الحنفية: بنى أحدهما ـ أي أحد الشريكين ـ بغير إذن الآخر في عقار مشترك بينهما فطلب شريكه رفع بنائه قسم العقار، فإن وقع البناء في نصيب الباني فبها ونعمت وإلا هدم البناء. انتهى.
وجاء في الكافي من كتب المالكية: ومن بنى أو غرس في أرض بينه وبين شريكه بغير إذنه أو كان غائبا، فإنهما يقتسمان الأرض، فإن صار للباني ما بناه في حصته من الأرض كان له بنيانه وكان عليه من الكراء بمقدار ما انتفع به نصيب شريكه، وإن صار البنيان أو الغرس في نصيب شريكه خير بين أن يعطي له قيمة بنيانه منقوضا أو قيمة غرسه مقلوعا وبين أن يسلم إليه نقضه بنقله ويكون له من الكراء على الباني بقدر ما انتفع به من حصة شريكه الغائب.. انتهى.
وعليه، فهذا هو مجمل كلام أهل العلم في هذه المسألة وحكم ما بناه الأخ في الأرض المشتركة بين الورثة، والذي ننصح به في مثل هذه الحال هو التراضي بين الإخوة ما أمكن ولو بتنازل بعضهم عن بعض حقه أوكله لأجل الأخوة والرحم، فإن لم يحصل ذلك وبقي النزاع فليرفع الأمر إلى المحكمة الشرعية فهي أقدر على فض النزاع في مثل هذه الأمور ورد الحق إلى أصحابه، فإن لم توجد محاكم شرعية فليشافهوا أهل العلم بها.
والله أعلم.