السؤال
من صلى المغرب وقبل أن يكمل الركعة الأولى سمع المؤذن يؤذن للعشاء، ومع ذلك لم يكن متأكدا من أن وقت العشاء قد دخل، لأن أقرب مسجد له يؤذن بعد هذا الأذان الذي سمعه بحوالي خمس دقائق وهو يعلم مسبقا هذا الاختلاف في الأوقات، ثم اكتشف بعد ذلك أن المؤذن الأول أدق، فهل يعتبر آثما مخرجا للصلاة عن وقتها وعلى قول العلماء الذين يقولون بكفر من يخرج صلاة واحدة عن وقتها عمدا يعتبر عمله هذا كفرا؟.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان هذا الشخص قد أخر الصلاة لعذر شرعي، فلا إثم عليه، أما إن كان قد أخرها تهاونا بدون عذر، فهذا آثم على الراجح، فإن تحريم التأخير كما قال الشيخ ابن عثيمين: يشمل تأخيرها بالكلية، أو تأخير بعضها، بحيث يؤخر الصلاة حتى إذا لم يبق إلا مقدار ركعة صلى، فإنه حرام عليه، لأن الواجب أن تقع جميعها في الوقت. اهـ
إضافة إلى أن تأخير صلاة المغرب بعد مضي ما يسعها يدخلها في وقت الضرورة عند بعض العلماء، وقد اختلف العلماء في تحديد وقت الاختيار ووقت الضرورة، كما اختلفوا فيما تدرك به الصلاة وتكون أداء هل هو إدراك ركعة كاملة أم تكبيرة الإحرام؟ واختلفوا أيضا فيمن أخر الصلاة إلى وقت الضرورة لغير عذر هل يأثم وتكون أداء، أو يكون قد فعل مكروها؟ وقد سبق بيان ذلك كله في الفتوى رقم: 124150.
وأما القائلون بكفر من ترك صلاة واحدة: فإنما يقصدون بذلك من تركها عامدا، قال ابن حزم: وقد جاء عن عمر وعبد الرحمن بن عوف ومعاذ بن جبل وأبي هريرة وغيرهم من الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ أن من ترك صلاة فرض واحدة متعمدا حتى يخرج وقتها فهو كافر مرتد. اهـ
والسؤال فيه إجمال حيث لم يبين سبب التأخير، وإن كان الظاهر منه أن الشخص لم يتعمد إخراجها عن وقتها، حيث كان يظن أن الوقت لم يدخل، ثم إن القائلين بكفر من تعمد ترك صلاة واحدة قد اختلفوا أيضا هل يكفر بترك صلاة واحدة مطلقا أم بترك صلاة لا تجمع إلى غيرها، فعلى القول الأخير لا يحكم بكفر من أخر صلاة المغرب حتى يخرج وقت صلاة العشاء. قال ابن قدامة في المغني بعد أن تكلم عن قتل تارك الصلاة تهاونا وكسلا: إذا ثبت هذا، فظاهر كلام الخرقي أنه يجب قتله بترك صلاة واحدة, وهي إحدى الروايتين عن أحمد، لأنه تارك للصلاة, فلزم قتله, كتارك ثلاث, ولأن الأخبار تتناول تارك صلاة واحدة, لكن لا يثبت الوجوب حتى يضيق وقت التي بعدها، لأن الأولى لا يعلم تركها إلا بفوات وقتها, فتصير فائتة لا يجب القتل بفواتها, فإذا ضاق وقتها علم أنه يريد تركها, فوجب قتله، والثانية: لا يجب قتله حتى يترك ثلاث صلوات ويضيق وقت الرابعة عن فعلها، لأنه قد يترك الصلاة والصلاتين لشبهة, فإذا تكرر ذلك ثلاثا، تحقق أنه تارك لها رغبة عنها, ويعتبر أن يضيق وقت الرابعة عن فعلها، لما ذكرنا، وحكى ابن حامد عن أبي إسحاق بن شاقلا أنه إن ترك صلاة لا تجمع إلى ما بعدها, كصلاة الفجر والعصر, وجب قتله, وإن ترك الأولى من صلاتي الجمع, لم يجب قتله، لأن الوقتين كالوقت الواحد عند بعض العلماء، وهذا قول حسن، واختلفت الرواية, هل يقتل لكفره, أو حدا؟.
وبهذا يتضح أنه على رواية القتل حدا لا يحكم بكفره أصلا، وأما على رواية القتل كفرا، فقد اختلفوا في الصلاة التي تجمع إلى غيرها كالمغرب، وقد ذكرنا في أول الفتوى أن بعض أهل العلم يقولون بأن الصلاة تدرك بمجرد إدراك تكبيرة الإحرام في الوقت، وعلى ذلك تكون صلاة ذلك الشخص أداء لا قضاء، وإن كان قد يأثم لتأخيره بعض الصلاة عن وقتها إن كان ذلك بلا عذر ـ كما سبق ـ ولمزيد الفائدة عن مذاهب العلماء بشأن حكم تارك الصلاة راجع الفتوى رقم: 122448، وما أحيل عليه فيها.
والله أعلم.