السؤال
ما معنى قول الحارث المحاسبي: ثلاثة أشياء عزيزة، أو معدومة: حسن الوجه مع الصيانة، وحسن الخلق مع الديانة، وحسن الإخاء مع الأمانة.
فهل يتعارض حسن الوجه مع الصيانة، وحسن الخلق لا يكون مع الديانة، ولا يمكن حصول إخاء مع الأمانة؟
أريد شرحا مفصلا، وواضحا.
وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذا الخبر رواه عن الحارث جماعة، منهم: أبو نعيم في حلية الأولياء، والخطيب في تاريخ بغداد، والسلفي في الطيوريات، والقشيري في الرسالة. وذكره في ترجمته جماعة، منهم: المزي، والذهبي، والسبكي وابن العماد ابن خلكان. وذكر أبو طالب المكي في (قوت القلوب) نحوه عن يحيى بن معاذ، وتبعه الغزالي في (إحياء علوم الدين).
والمراد بهذا الكلام التنبيه على عزة من يتصف بالاستقامة، مع وجود داعية الفساد. ويجمع بين حسن عبادة الله والاجتهاد في طاعته، وبين بذل حقوق الناس وطيب معاملتهم، ويلزم حقوق التآخي، وحسن الموادة دون أن يخل بأمانة الصحبة، وبذل النصيحة.
وهذا أمر تدركه العقول، فإن من توفرت له دواعي الفساد بحسن الهيئة، وجمال الصورة تكون الفواحش أقرب إليه، وأيسر عليه من غيره، فالصيانة في حقه أشد وأشق، ولا يكاد ينجو من ذلك إلا عصمه الله. واعتبر في ذلك بحال نبي الله يوسف عليه السلام.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في (الاستقامة): قد قررت قبل هذا المعنى بأن الحسن في الصورة، والصوت إن لم يكن مع تقوى الله، وإلا لم يكن إلا مذموما. اهـ.
وكذلك من أقبل على العبادة، واجتهد في الطاعة، لا يكاد يوفي الناس حقوقهم حتى أقربهم إليه وأوجبهم حقا عليه، واعتبر في ذلك بحال جريج العابد. قال ابن رجب في (جامع العلوم والحكم): كثيرا ما يغلب على من يعتني بالقيام بحقوق الله، والاعتكاف على محبته، وخشيته، وطاعته، إهمال حقوق العباد بالكلية، أو التقصير فيها، والجمع بين القيام بحقوق الله، وحقوق عباده عزيز جدا، لا يقوى عليه إلا الكمل من الأنبياء، والصديقين. اهـ.
ونقله عنه السفاريني في (غذاء الألباب).
وعكس ذلك أيضا صحيح، فإن من اجتهد في كسب ود أخيه ورضاه، وحرص على حسن خلقه معه، قد يحمله ذلك على التفريط في حق الله تعالى، من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبذل النصيحة له! فيقع في المداهنة المذمومة؛ روى ابن حبان في (روضة العقلاء) عن أبي السائب قال: قال علي رضي الله عنه: لا تعامل بالخديعة فإنها خلق اللئام، وامحض أخاك النصيحة حسنة كانت أم قبيحة، وساعده على كل حال، وزل معه حيث زال. اهـ.
وروى الخطيب البغدادي في تاريخه عن عمرو بن مهاجر قال: قال لي عمر بن عبد العزيز: يا عمرو! إذا رأيتني قد ملت عن الحق، فضع يدك في تلابيبي ثم هزني، ثم قل لي:" ماذا تصنع ؟!
وروى ابن المبارك وأحمد كلاهما في (الزهد) عن عبد الرحمن بن يزيد قال: قال لي بلال بن سعد: بلغني أن المؤمن مرآة أخيه، فهل تستريب من أمري شيئا؟!
وروى الدينوري في (المجالسة وجواهر العلم) عن بلال بن سعد، قال: أخ لك كلما لقيك أخبرك بعيب فيك، خير لك من أخ لك كلما لقيك وضع في كفك دينارا.
والله أعلم.