ما يدخل في وجوب النهي عن المنكر وما لا يدخل

0 256

السؤال

هل إذا رأيت شخصا يدخن في مكان عام يحرم علي السكوت؟ أم نصحه مستحب؟ وفي التصوير هل نصحه واجب أم مستحب؟ وهل التصوير محرم لأنكر عليه؟ وإذا رأيت شخصا قد حلق لحيته، فهل نصحه واجب أم مستحب؟ وهل صحيح أن ترك النهي عن المنكر يكره إذا رأى مكروها ويحرم إذا رأى محرما...؟ وقس على هذا الأمر بالمعروف.
وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد سبق أن بينا تحريم التدخين في فتاوى كثيرة سابقة، ولك أن تراجع فيه فتوانا رقم: 1819.

وإذا كان محرما، فإنه يجب النهي عنه بقدر الاستطاعة مع مراعاة الحكمة في إقناعه والانفراد به إن أمكن، لحديث مسلم: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده, فإن لم يستطع فبلسانه, فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان.

ووجوب النهي عن المنكر يدخل فيه جميع المحرمات كبائرها وصغائرها، وتركه مع القدرة والأمن يعد من الكبائر، كما قال ابن حجر الهيتمي في كتابه الزواجر عن اقتراف الكبائر: الكبيرة الثالثة والرابعة والخامسة والتسعون بعد الثلاثمائة: ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع القدرة، بأن أمن على نفسه ونحو ماله ومخالفة القول الفعل. انتهى.

وراجع للفائدة الفتوى رقم: 36372.

ولا يدخل في هذا النهي عن المكروهات، وإنما يستحب النهي عنها فقط، لأن المكروه عرفه العلماء بقولهم: هو ما يثاب على تركه ولا يعاقب على فعله ـ وإذا كان لا يترتب عليه إثم ولا عقاب لفاعله، فمن باب أولى أن لا يعاقب من لم ينكره، وقد صرح أهل العلم بأن النهي عن المكروه مستحب وليس واجبا، قال الزركشي في المنثور في كلامه على فرض الكفاية: ومنه: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, قال الرافعي: والمراد به الأمر بالواجبات والنهي عن المحرمات، قلت: ولهذا نقل الإمام عن معظم الفقهاء أن الأمر بالمستحب مستحب. اهـ.

وقال السفاريني في شرح منظومة الآداب: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في ترك الواجب وفعل المحرم واجب، وفي ترك المندوب وفعل المكروه مندوب، قاله ابن عقيل في آخر الإرشاد. اهـ.

وجاء في الموسوعة الفقهية: الأمر بالمعروف ـ أي ما عرف من طاعة الله والتقرب إليه والإحسان إلى الناس ـ والنهي عن المنكر, وهو ما فيه غضب الله من قول أو فعل: أصل من أصول الدين كما يقول الغزالي, وهو واجب في الجملة، وحكى النووي وابن حزم الإجماع على ذلك، فالسكوت عند رؤية ارتكاب المنكر المتفق على تحريمه حرام, والنهي عنه واجب وذلك حين توفر شروطه والمراتب والوسائل المذكورة في حديث أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ مرفوعا: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده, فإن لم يستطع فبلسانه, فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان. اهـ.
 

وأما بخصوص حلق اللحية: فالراجح أنه يحرم حلقها بالكلية، كما  بينا أدلته في الفتوى رقم: 71215، فينكر مطلقا على من حلقها.

 وقد بينا اختلاف العلماء في الصور الفوتوغرافية، وانظر الفتوى رقم: 10888.

ولذلك، فإنه لا يجب عليك الإنكار في شأن الصور، إذا كان المصور لا يعتقد التحريم، وإنما يستحب النصح والإرشاد وبيان الراجح من أقوال أهل العلم إن تبين لك ذلك، قال العز بن عبد السلام في قواعد الأحكام: فمن أتى شيئا مختلفا في تحريمه معتقدا تحريمه، وجب الإنكار عليه لانتهاك الحرمة، وذلك مثل اللعب بالشطرنج، وإن اعتقد تحليله لم يجز الإنكار عليه إلا أن يكون مأخذ المحلل ضعيفا تنقض الأحكام بمثله لبطلانه في الشرع، إذ لا ينقض إلا لكونه باطلا، وذلك كمن يطأ جارية بالإباحة معتقدا لمذهب عطاء، فيجب الإنكار عليه، وإن لم يعتقد تحريما ولا تحليلا أرشد إلى اجتنابه من غير توبيخ ولا إنكار. اهـ.

هذا، وننبه إلى أن محل عدم الإنكار في المختلف فيه إنما هو فيما لم يثبت فيه نص أو إجماع، وإنما اختلفت فيه اجتهادات العلماء، وأما لو ثبت النص فلا عبرة بالقول المخالف، بل يجب بيان القول الراجح، قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ في كتابه إعلام الموقعين: وقولهم: إن مسائل الخلاف لا إنكار فيها ليس بصحيح، فإن الإنكار إما أن يتوجه إلى القول والفتوى أو العمل، أما الأول: فإذا كان القول يخالف سنة أو إجماعا شائعا وجب إنكاره اتفاقا، وإن لم يكن كذلك فإن بيان ضعفه ومخالفته للدليل إنكار مثله، وأما العمل: فإذا كان على خلاف سنة أو إجماع وجب إنكاره بحسب درجات الإنكار، وكيف يقول فقيه لا إنكار في المسائل المختلف فيها والفقهاء من سائر الطوائف قد صرحوا بنقض حكم الحاكم إذا خالف كتابا أو سنة وإن قد وافق فيه بعض العلماء؟ وأما إذا لم يكن في المسألة سنة ولا إجماع وللاجتهاد فيها مساغ لم تنكر على من عمل بها مجتهدا أو مقلدا... اهـ.

وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: من عمل بتقليد صحيح فلا إنكار عليه, لأنه لا إنكار في المسائل الاجتهادية..... وليس معنى عدم الإنكار على من عمل بتقليد صحيح ترك البيان له من عالم يرى مرجوحية فعله, وكان البيان دأب أهل العلم ولا يزال, فضلا عن الأخذ والرد بينهم فيما يختلفون فيه، وقد يخطئ بعضهم بعضا, وخاصة من خالف نصا صحيحا سالما من المعارضة. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة