الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه يجب على المتعاقد -إماما كان أو غيره- أن يلتزم بمقتضى العقد، وما شرط عليه فيه، كما قال تعالى: يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود {المائدة:1}.
فتغيب الإمام عن مسجده لا يسوغ، إلا لعذر، أو بإذن من الجهة المسؤولة، أو بما جرت به العادة التي لا تنكرها، وقلة الراتب لا تبيح للإمام التغيب، والإخلال بمقتضى العقد.
سئل الشيخ ابن عثيمين: بعض الأوقات يصلي عني المؤذن، فأعطيه مبلغا معينا، فيرضى به, هل ذلك جائز؟ أو أعطيه مبلغا عن كل صلاة صلاها عني؟
فأجاب: أولا: نسأل هذا الإمام لماذا يتخلف، وقد التزم أمام ولي الأمر, أو نائب ولي الأمر, وهو مدير الأوقاف, أن يكون في هذا المسجد؟ فلا يحل للإمام أن يتخلف فرضا واحدا إلا بما جرت به العادة, كفرض أو فرضين في الأسبوع, أو إذا كان موظفا ولا بد أن يغيب في صلاة الظهر، فيخبر مدير الأوقاف، وترضى بذلك الجماعة, فلا بأس. يعني لا بد من ثلاثة أمور, إذا كان يتخلف تخلفا معتادا كصلاة الظهر للموظف: لا بد أن يستأذن من مدير الأوقاف, ولا بد أن يستأذن من أهل الحي - الجماعة - ولا بد أن يقيم من تكون به الكفاية سواء المؤذن, أو غير المؤذن, أما أن يهملهم ولا يحضر, ولا يوكل، ويبقى الناس صل يا فلان, صل يا فلان, وربما يتقدم من ليس أهلا للإمامة، فهذا إضاعة للأمانة. فنخاطب من؟ نخاطب أول من نخاطب الإمام (لماذا تخلف؟) فإذا كان يتخلف لعذر شرعي, أو بشيء معتاد كاليومين، أو اليوم أو الثلاثة أيام في الأسبوع في فرض واحد, فلا بأس. أما أن يبقى يتخلف أكثر الأوقات, ويقول أنا أوكل المؤذن, أو فلانا، فهذا غلط, فليترك المسجد ويبري ذمته، ويدعه لمن يتشوف له. اهـ. من مجموع فتاواه.
وقال الشيخ ابن باز: فالمؤذن، أو الإمام، أو الخادم ليس لهم أن يستنيبوا إلا بإذن الجهات المسؤولة، إلا الشيء اليسير كعارض عرض للمؤذن، ومن ينوب يحسن الأذان، أو عرض عارض في بعض الصلوات، فهذا لا بأس به، أما بصفة مستمرة، أو بصفة طويلة، أو في أوقات كثيرة، فلا يجوز حتى يستأذن الجهات المختصة، ليستنيب على الإمامة أو في الأذان؛ لأن النائب قد لا يقوم بما يقوم به الأصل، وقد يكون الأصل خيرا منه، وأولى بهذا الأمر، المقصود لا بد من الاستئذان. اهـ. من فتاوى نورب على الدرب.
وحيث حرم تغيب الإمام، فإنه يحرم عليه من راتبه ما يقابل غيابه.
سئل الشيخ ابن عثيمين: إمام يوكل من هو أفضل منه، هل يأثم إذا تغيب وترك المسجد بعض الأحيان؟
فأجاب: لا يحل له ذلك، وما يأخذه من راتب فحرام عليه، أما إذا كان بعذر لا بأس به، مرض الإنسان ولزم الفراش لمدة شهر، أو شهرين ليس عليه شيء، لكن عليه أن ينوب من يقوم باللازم، أما إنسان يذهب يمينا ويسارا بدون عذر، ويقول: أنا وكلت إنسانا أقرأ مني، وأعلم مني، هذا حرام عليه، وإذا كان لا يستطيع أن يقوم بالصلوات الخمس؛ فليقدم الاستقالة للجهة المسؤولة، وهناك من سيتقدم إلى المسجد، وهذا المال حرام؛ لأنه يأخذه في مقابلة عمل، والمقابل لا بد أن يجر ما يقابله. اهـ. من لقاء الباب المفتوح .
وراجع للفائدة الفتوى رقم: 119856 .
والله أعلم.