الإقامة في بلاد الكفار لمن قدر على إظهار شعائر دينه

0 227

السؤال

غضبت كثيرا من الجهل الذي كثر في الجزائر، وأنا الآن أطلب علما نافعا في فرنسا - الزراعة العضوية - فيا علماء الدين، إن شعب الجزائر تركوا سنة الرسول صلى الله عليه وسلم تركا جذريا، وتركوا العلم تركا لا يصدق، ووقتهم ضائع في الباطل والشهوات والمعاصي.
وفي الجزائر الناس ومنهم أهلي يسمعون المعازف, وكلامهم معظمه لغو وغيبة, ويشاهدون التلفاز, ولا يحبون عندما أصلي بطمأنينة, وتركوا السنة جذريا, وإذا قرئ القرآن فلا أحد يصمت ليستمع إلى القرآن, ولا أحد يربي أبناءه على الإسلام, وهم مبتدعون جدا.
ومنذ وصولي إلى فرنسا وإيماني واجتهادي في الفقه والسنة والعلم النافع يقوى كل يوم, بل كل ساعة، ولا توجد دقيقة في حياتي تضيع فيما لا يرضي ربي، وإني لا أخاف لومة لائم، وصليت مرات عديدة في أحياء لا أعرفها، ولا أحد في فرنسا منعني من ذلك، وأنا - يا إخواني - أتنعم بالإسلام والعلم في فرنسا، فهل يجوز لي أن أعيش هنا إذا تمسكت بالحق؟ فوالله والله والله إنه سهل علي اتباع ديني هنا أكثر.
ويا عجبا! كيف سهل اتباع الحق في بلد الكفر واستحال ذلك في بلد الإسلام؟!
وإني أدعو لكم في صلاتي، فأفيدوني، فلن أنسى خيركم.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

 فنشكر للسائل غيرته على ما وقع فيه كثير من المسلمين من المعاصي، والجهل، والبعد عن دينهم، ولكن ينبغي له ألا يبالغ في الذم والتعميم، وأن يعلم أن هناك طائفة قائمة على الحق، ثابتة عليه، لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم، كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى يأتي أمر الله. رواه مسلم.

فعليه أن يحسن الظن بالمسلمين، فإن الخير لا يزال موجودا فيهم, وعليه أن يذكر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قال هلك الناس فهو أهلكهم. رواه مسلم.

جاء في شرح السنة للإمام البغوي: قال أبو سليمان الخطابي: معنى هذا: ألا يزال الرجل يعيب الناس، ويذكر مساويهم، ويقول: قد فسد الناس، وهلكوا، ونحو ذلك من الكلام، وإذا فعل الرجل ذلك، فهو أهلكهم وأسوؤهم حالا فيما يلحقه من الإثم في عيبهم، والإزراء بهم، وربما أداه ذلك إلى العجب بنفسه، ويرى أن له فضلا عليهم، وأنه خير منهم، فيهلك، قلت: وروي معنى هذا عن مالك، قال: إذا قال ذلك تحزنا لما يرى في الناس، يعني في أمر دينهم، فلا أرى به بأسا، فإذا قال ذلك عجبا بنفسه، وتصاغرا للناس، فهو المكروه الذي نهى عنه. انتهى.

وأما العيش في بلاد الكفار، فقد قال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله تعالى -: الإقامة في بلاد الكفار خطر عظيم على دين المسلم، وأخلاقه، وسلوكه، وآدابه, وقد شاهدنا وغيرنا انحراف كثير ممن أقاموا هناك، فرجعوا بغير ما ذهبوا به, رجعوا فساقا، وبعضهم رجع مرتدا عن دينه، وكافرا به وبسائر الأديان ـ والعياذ بالله ـ حتى صاروا إلى الجحود المطلق، والاستهزاء بالدين وأهله السابقين منهم واللاحقين؛ ولهذا كان ينبغي، بل يتعين التحفظ من ذلك، ووضع الشروط التي تمنع من الهوي في تلك المهالك, فالإقامة في بلاد الكفر لا بد فيها من شرطين أساسيين:

الشرط الأول: أمن المقيم على دينه بحيث يكون عنده من العلم والإيمان وقوة العزيمة ما يطمئنه على الثبات على دينه والحذر من الانحراف والزيغ ....

الشرط الثاني: أن يتمكن من إظهار دينه بحيث يقوم بشعائر الإسلام بدون ممانع, فلا يمنع من إقامة الصلاة، والجمعة والجماعات إن كان معه من يصلي جماعة ومن يقيم الجمعة, ولا يمنع من الزكاة، والصيام، والحج، وغيرها من شعائر الدين، فإن كان لا يتمكن من ذلك لم تجز الإقامة، لوجوب الهجرة حينئذ. انتهى.

وراجع الفتوى رقم: 226333 في حكم الإقامة في بلاد الكفر للدراسة ففيها بيان وتفصيل.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى